لم يكن ضباط الدورية الإسرائيلية والجندي "محظوظين" حينما التقطت فتاة فلسطينية صورة الجندي وهو يطلق النار على الشاب الفلسطيني في قرية نعلين من مسافة متر تقريبًا. وكذلك فقد كان من سوء حظ الجنود الإسرائيليين أن تمكنت إحدى الكاميرات من تصوير الكلب الذي كان برفقتهم وهو يهاجم امرأة فلسطينية في بيت لحم، في مشاهدٍ تكشف جانبًا من الوجه البشع للاحتلال. هنا لنا أن نتساءل: من يمكنه أن يصور ويوثّق الجرائم والإعتداءات التي تمارس ضد الأسرى في السجون الإسرائيلية؟ ومن يستطيع أن يظهر للعالم وحشية السجان وهو يهاجم أسيرًا مقيد اليدين والرجلين بلا اعتبار ودون اكتراث لأية معاهدات أو مواثيق قانونية أو إنسانية؟ ففي سلسلة متصلة من أبحاث وتقارير أُعدّت سابقًا من جهات مختلفة بخصوص أوضاع الفلسطينيين، كانت النتائج تؤكد مرارًا وتكرارًا فقدان الأسرى الفلسطينيين لأبسط الحقوق الإنسانية، ناهيك عن الحقوق القانونية، مما يجعل هذه الحقوق مجرد حبر على الورق. ومن بين التقارير نذكر تقريرًا أعدته لجنة في نقابة المحامين الإسرائيلية عام 2006 حيث وجدت اللجنة تقصيرًا كبيرًا ومخالفات في 18 بند رئيسيًا من الحقوق الأساسية للأسرى. والحقيقة هي أن أوضاع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية بعيدة كل البعد عن الإنسانية وفيها اعتداء صارخ على احترام وكرامة الإنسان، حتى أن الأسير الفلسطيني قد يمنع من لمس واحتضان ابنه الرضيع أو ملامسة شعر طفله بل وحتى التعزية بوفاة أمه وأبيه. لقد كفلت القوانين والأعراف الدولية حق الأسرى في الحياة سواء كانوا أسرى حرب وفق اتفاقية جنيف الثالثة أو تم اعتبارهم كمعتقلين من مناطق تخضع للاحتلال وفق اتفاقية جنيف الرابعة، ومن ثم فقد أوصت الدولة المحتجزة لهؤلاء الأسرى بأن توفر لهم الاحتياجات الأساسية وذلك من خلال نصوص واضحة شملت كل تلك الاحتياجات وجعلتها حقوقًا أساسية يجب توفيرها للأسرى وليس كمنح أو انجازات. إن القانون الدولي يعرف الأسرى الفلسطينيين كأسرى حرب، أو كمدنيين تم احتجازهم من مناطق محتلة. وفي كلتا الحالتين فإن الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية وخاصة اتفاقيات جنيف تنطبق على هؤلاء الأسرى، لكن سلطة السجون لا تزال ترفض الاعتراف صراحة بهذه الوضعية القانونية للأسرى الفلسطينيين- أي بكونهم أسرى حرب- وتردد السلطات الإسرائيلية اعتبار هؤلاء الأسرى مجرد سجناء يخضعون للقوانين والأنظمة الإسرائيلية فقط. مع أن القانون الدولي جاء ليحمي أقل الحقوق الإنسانية التي لا بد من توفيرها، فبات عدم احترام هذه الحقوق يدخل في باب اللا-إنسانية قبل أن يعبر من باب اللا- قانونية الدولية. تعرف دائرة السجون الإسرائيلية الأسرى الفلسطينيين تعريفًا داخليًا باسم "سجناء أمنيين"، وهو المصطلح المنصوص عليه في الأنظمة الداخلية لسلطة السجون (نظام رقم 04.05.00)، ومع سريان هذا النظام على الأسير فإنه منذ تلك اللحظة يعامل معاملة تخضع لقوانين صارمة ومجحفة، يحق وفقًا لها سلب الأسرى غالبية الحقوق الممنوحة للسجناء العاديين، ويجري التعامل مع هذا الأسير ضمن أنظمة خاصة ومن ضمن ذلك (نظام رقم 03.02.00) وأنظمة أخرى تتعلق بالعزل والحرمان. في السنوات الأخيرة تصاعد عدد السجناء المعرفين كسجناء أمنيين، ومنذ العام 2007 وحتى اليوم بات عدد السجناء الأمنيين يقارب العشرة آلاف، غالبيتهم من الأسرى الفلسطينيين من المناطق المحتلة والقسم الآخر هو من فلسطينيي الداخل. هذا العدد يساوي بل ويفوق عدد كل السجناء الجنائيين الإسرائيلين في جميع السجون الإسرائيلية، وهكذا وبدل أن تؤدي الغرض الذي تقام لأجله السجون أصلاً وهو احتواء السجناء الجنائيين أصبحت السجون الإسرائيلية معدة بالأساس لغرض نظام الاحتلال والقهر ولاحتواء الأسرى الفلسطينيين والتعامل معهم. هناك العشرات من الحوادث التي قام فيها السجانون بالاعتداء على أسرى مقيدي الأيدي والأرجل في الوقت الذي لم يكن هؤلاء الأسرى يشكلون أي خطر على أحد، فقد أفرط السجانون في استخدام القوة في العديد من هذه الحوادث التي كان بالإمكان حلها بدون استخدام القوة مطلقًا أو استخدام قدر محدود جدًا يحقق الهدف. معظم الأسرى لا يعرفون إلى من يتوجهون بالشكوى، وبعضهم يعرف ولا يشكو حيث أنه لا يعتقد بجدوى تلك الشكوى، ومن يتقدم بالشكوى لجهات التحقيق وحتى تستجيب له وتزوره تلك الجهة تكون آثار الاعتداء عليه قد اختفت أو أخفيت، ولا يكون لديه الدليل على إثبات ادعاءاته التي تقف أمامها كلمة (رجال القانون) الذين داسوا القانون وراء الجدران الشاهقة. وقد تكررت هذه الحوادث مع المئات من الأسرى، حيث يكون الأدهى والأمر أنه وبعد أن بدأ بعض الأسرى بتقديم شكاوي ضد ما يمارس ضدهم من عنف وكخطوة استباقية، فإن الكثيرين من السجانين المعتدين قد بدؤوا هم برفع دعاوي وشكاوي ضد الأسرى المعتدي عليهم. وقد تكرر هذا الأمر مما يشير إلى أنه أصبح سياسة ممنهجة يبدو أنه يتم التوجيه إليها واتباعها. كل هذا يأتي ليؤكد بصورة قاطعة بأن ما يتم منحه للأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية هو جزء بسيط جدًا مما تكفله لهم القوانين الدولية وقواعد حقوق الإنسان وأن الخروقات والانتهاكات الإسرائيلية في هذا المجال تفوق ما يمكن أن يتخيله الكثيرون من أحرار العالم.