مشهد وطني وحدوي غائب عن الساحة الفلسطينية منذ سنوات عجاف، اليوم وخلال استقبال حكومة التوافق الفلسطيني عبر معبر إيريز بيت حانون، لم يتوقع أحد أن يشهد قدوم الوفد هذا الاحتضان الجماهيري المهيب، وسط تلك التهليلات المؤيدة لحركة فتح وللرئيس أبو مازن ولحكومة التوافق. عطش شعبي وإنتظار طال أمده، بعد عشرة سنوات ملّ بها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من كافة طقوس الفرقة، ومن كل مراسيم التشتت والانقسام والكراهية، وسط ترقّب حذر، و قلوب متوكلة على الله وعلى الجهود المصرية والداخلية لطيّ هذه الحقبة السوداء. مقرّبون من الرئيس أبو مازن أفادوا أن الرئيس لم يتمالك دموعه حين شاهد منظر الاستقبال الشعبي الكبير لموكب حكومة التوافق اليوم عبر معبر إيريز- بيت حانون، في رسالة شعبية على ما يبدو أنها وصلت الرئيس، من كل ألوان الشعب الفلسطيني، وهي كانت أيضاً لكلّ حركة لفتح، وللسلطة الوطنية الفلسطينية، ولحكومة التوافق الوطني، أن غزة بانتظاركم، وغزة تحتاجكم، وغزة بحاجة أن يتم ترجمة كل ما قيل عنها في الفضائيات، على الأرض، أن يلمس المواطن الممزق، أي شكل تغيير حقيقي في حياته. ملفات عديدة تعتبر الأهم لدى الشارع الفلسطيني في هذه الأثناء، وهي نفس الملفات التي كانت كحجر نرد يُلقى هنا وهناك، فوق كل طاولة تفاهمات، سواءً في القاهرة أو في الدوحة أو في الشاطئ ودمشق، وهي ملفات الكهرباء والمعابر والموظفّين، إضافة إلى ملفات الأمن، وما يتخللها من كوارث في كافة مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. الملاحظ للوضع السياسي بشكله العام، يتوه بين مجموعة من التناقضات، فكيف سيكون مصير سلاح المقاومة المكدس في غزة، وبنفس الوقت كيف يمكن لحماس الدخول في المربع السياسي بدون الإقرار بالعملية السياسية؟ مؤخراً ازداد ترديد مصطلح "المشروع الوطني" خلال تصريحات قيادات حركة حماس في غزة، وهذا المصطلح هو بالتأكيد معلوم لدى الجميع أنه يمثل دولة بحدود ال67 وعاصمتها القدس الشريف، ولكن كل ذلك لن يمرّ بدون عودة غزة إلى حاضنة السلطة الفلسطينية ممثلة برئيسها، وإجراء عملية انتخابية ديموقراطية، ويتوج كل ذلك باعتراف حماس بإسرائيل كدولة ذات سيادة! حماس في محطة انتقالية تشبه تماماً المحطة التي مر بها الراحل عرفات ومنظمة التحرير قبيل توقيع اتفاقية أوسلو، ألا وهي التحوّل من وضع "الحرب هي الأصل والهدنة إستثناء" إلى وضع سلام اقتصادي وأمني دائم كما الحال في الضفة المحتلة، فهل تستطيع قيادة حماس الجديدة أن تحمل هذا المشروع وتمضي به، دون الإخلال بوجود المقاومة في غزة ؟ وإن حملته فعلاً، فكيف ستتعامل مع أبنائها الذين عبئتهم على مدار كل هذه الأعوام بعدم الاعتراف وعدم التنازل، وممانعة التسوية السياسية مع الاحتلال ؟ الولاياتالمتحدة بدأت تدخل بالكلام العملي سريعاً، حيث صدر تصريح عن البيت الأبيض بسؤال كيف ستكون حماس جزءاً من حكومة السلطة الفلسطينية دون أن تعترف بإسرائيل؟. يبدو أن أميركا جادة جداً في مشروعها، ويبدو أيضاً أن هناك توافق دولي على إتمام عملية سياسية على صعيد القضية الفلسطينية، بما يضمن تبريد جبهة غزة وإخراجها من مربع الاشتباك المباشر مع دولة الاحتلال. المرحلة القريبة القادمة ستحمل تغييرات مصيرية للشارع الغزي، والترقب الحذر هو سيد الموقف في هذه اللحظات، نسأل الله أن يرزق شعبنا ما يخدم قضيته ومستقبله ويجنبه كل الشرور والويلات.