أثار مرسومان أصدرهما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، متعلقان بجهاز المخابرات بالبلاد، جدلًا واسعًا، إذ أقال على خلفيتهما مئات الموظفين ليعزز من سلطاته على الجهاز بموجب قانون الطوارئ الذي فرضه بعد محاولة الانقلاب العام الماضي، والتي أقال على إثرها أو أوقف عن العمل نحو 150 ألف موظف في عمليات تطهير للأجهزة التركية، كما احتجزت السلطات التركية أكثر من 50 ألفًا انتظارًا لمحاكمتهم ومن بينهم ضباط وجنود شرطة وموظفون حكوميون. المرسومان اللذان نشرا في الجريدة الرسمية ينصان على إقالة 900 موظف في وزارات مختلفة ومؤسسات عامة وفي الجيش، كما ينص أحدهما على ضرورة العودة إلى الرئيس لأخذ الإذن منه لاستجواب رئيس الجهاز المخابرات الوطنية، الأمر الذي قد يقتح الباب إلى تغيير بقانون الجهاز الحساس، بما يسمح للرئيس بمزيد من السيطرة عليه طالما سعى إليها. كما نشرت الجريدة قرارًا آخر يتيح ربط جهاز المخابرات برئيس الجمهورية التركية، ومنح الأخير صلاحية ترؤس مجلس تنسيق المخابرات الوطني، الذي كان يترأسه سابقًا رئيس جهاز المخابرات وحدة. ويرى مراقبون أن هذين المرسومين يعكسان استمرار حالة من التخوف والتوجس لدى النظام التركي من المؤسسات المحيطة به، ومن ثم فهو يستغل الحالة الاستبدادية التي تعزز وجودها بعد الانقلاب في يوليو قبل الماضي في السيطرة على كافة مفاصل الدولة بعد الاستفتاء الذي وصف بالديكتاتوري على تعديلات دستورية في السادس عشر من أبريل الماضي، نقلت البلاد من نظام حكم برلماني إلى نظام رئاسي. وتعزز القرارات الأخيرة سلطة أردوغان على جهاز المخابرات الوطنية في مسعى ليكون ذراعه الخارجية المستقلة، ويقول مراقبون إن القرارات الأخيرة متعلقة بترتيبات في الملفين السوري والعراقي المجاورين لتركيا، حيث يعكس إشراف الرئيس على جهاز المخابرات رغبته في إدارة ملفات البلاد في شأن مكافحة حزب العمال الكردستاني وامتداداته في شمال العراق وسوريا. ارتبط اسم جهاز المخابرات في تركيا كثيرًا بالعلاقات مع الجماعات المسلحة في دول الجوار التركي، ففي السنوات الأخيرة كشفت تقارير عن تنسيق مخابراتي تركي مع الجماعات التي تدعى أنها جهادية بما في ذلك تنظيم النصرة، لذلك يريد أردوغان الإمساك بجهاز المخابرات عن قرب لإدارة شبكة العلاقات هذه بما يخدم الأجندة التركية المقبلة. وفي الوقت الذي يتحدث فيه خبراء دوليون عن أن الهدف خارجي بالأساس، لا يبتعد الحديث في الداخل عن اعتبار هذه القرارات جزءا من سياق كامل لإنهاء حالات الاختلاف والتنوع والتعدد في تركيا، وهو ما يظهر بنية النظام السياسي الذي يتشكل من الحزب الحاكم والرئيس الذي يتعرض لانتقادات داخلية وخارجية عدة، خاصة بعد فشله في إقناع المجتمع الدولي بتحركاته الداخلية وفشله في إدارة علاقاته بكافة القوى الدولية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة وأوروبا وروسيا، إضافة إلى الأزمات التي وضع الرئيس التركي نفسه فيها مع الدول المجاورة في الشرق الأوسط. وتوحي هذه المراسيم الجديدة لأردوغان بأنه رغم حملات التطهير الواسعة التي تخوضها حكومته وسلطاته داخل كافة الأجهزة التركية، أنه ما زال هناك تخوف من احتمالية الانقلاب على حكمه داخليًا من خلال أجهزة الدولة نفسها، وهو ما تؤكده صحف ووكالات دولية بقولها إن السلطة التركية في الوقت الراهن تعمل على التخلص من أي صوته معارض ووضعه في خانة الانتماء إلى ما يطلق عليه الكيان الموازي لمحاكمته بالمشاركة في محاولة الانقلاب. الجدير بالذكر أن الكيان الموازي هو الوصف الرسمي لتيار الداعية التركي فتح الله جولن، المقيم في الولاياتالمتحدةالأمريكية، والذي تتهمه تركيا بتدبير محاولة الانقلاب في يوليو الماضي، إلا أنه ينفي، ويعتبر الانقلاب مسرحية دبرها أردوغان لتعزيز سلطاته.