شبه مسجد صغير يقطع طريق ترام منطقة كرموز غرب الإسكندرية، أقدم وسائل مواصلات بالمحافظة، ويقسم الشارع اتجاهين، ليبدأ التساؤل عن سر هذا المكان، ولماذا أقيم في تلك البقعة، وكيف لمخططي الطرق بالإسكندرية أن يسمحوا بالبناء في حرم الطريق العام، إنه مقام الصحابي أبي الدرداء، الذي يظن مواطنو الإسكندرية أنه مات ودفن به، وأن له العديد من «الكرامات»، ويتبارك به الكثيرون، خاصة الصوفيين. حكايات عديدة مرتبطة بهذا الضريح الذى يتكون من غرفة على شكل مربع على مساحة عشرين مترًا، محفور عليها العديد من الآيات القرآنية، وبجوانبها أعمدة منقوشة بالزخرفات الإسلامية باللون الأخضر، فيتوافد عليه المئات من المواطنين من كل حدب وصوب، للتبارك به ووضع النذور، والدعاء لمن له حاجة في نفسه؛ إيمانًا منهم بحل مشكلاتهم وإجابة طلباتهم عند التضرع لصاحب المقام، لكونه من أولياء الله الصالحين، فهو أبو الدرداء الأنصاري، أو كما يطلق عليه الإسكندرانيون أبي الدرداء. بني هذا المقام منذ زمن بعيد من بعض أهالي الإسكندرية المحبين له؛ ليكون تذكارًا لأبي الدرداء الذي فتح الإسكندرية إبان الفتوحات الإسلامية لمصر، ومع مرور الزمن اعتقد الأهالي أنه ضريح مدفون به أبي الدرداء، وظهرت له العديد من الكرامات، ففي منتصف الخمسينيات أرادت البلدية «الحي حاليًا» هدم الضريح حتى يسير ترام بهذا الطريق الذي يصل رواد محطة مصر إلى منطقة كرموز وما بعدها، إلَّا أن إصابة عامل من عمال الهدم بالشلل ثم الموت دفع باقي العمال إلى التوقف عن هدم الضريح، وثار أهالي كرموز ضد قرار الهدم، ليحول الضريح بين استكمال امتداد الترام، إلَّا أن المهندس الإنجليزى المسؤول على هذا المرفق آنذاك، قرر أن يستكمل قضبان الترام ولكن بتنحيها يمينًا ويسارًا، ليبقى المقام في منتصف قضبان الترام، وأيضًا يحكي أهالي كرموز حكاية أخرى عن معجزات صاحب هذا المقام، أنه إبان الحرب العالمية الثانية، قام من مرقده لحماية الإسكندرية والمنطقة من صاروخ سقط من طائرات الألمان، فأخذ الصاروخ ليغير اتجاه حركته ويسقط في أرض رخوة، ولم ينفجر ولم يصب أحدًا أو يهدم منشأة. وتتحتفل الطرق الصوفية وخاصة الشاذلية كل عام في يوليو بمولده، بمسيرة كبيرة تنتهي عند الضريح، وتبدأ هناك الاحتفالات بقراءة الفاتحة والأذكار والتواشيح حتى صلاة الفجر، ويحيط بالضريح في احتفالات مولده ببائعي الحلوى والألعاب ومراجيح للأطفال، المظاهر المصاحبة للمولد الذي ينتظره الأطفال كل عام. أبو الدرداء الأنصاري من سكان المدينةالمنورة، وكان تاجرًا ثريًّا وعرف في قومه بالحكمة والعدل، ودخل الإسلام يوم غزوة بدر وشارك بغزوة أحد، وترك التجارة وتفرغ للعبادة والتفقه في الدين، وحينما تولى عمر بن الخطاب الخلافة عين أبا الدرداء قاضيًا للمدينة، وبعد فتح الشام أرسله ابن الخطاب إلى هناك ضمن بعثة لتعليم الناس القرآن والسنة، واستقر في دمشق في السنة الخامسة عشرة من الهجرة، ودخل الإسكندرية فاتحًا لها عندما فتح عمرو بن العاص مصر، ولم يمكث بالإسكندرية طويلًا، فقد غادرها هو وثمانون من الصحابة إلى دمشق مرة أخرى ليكون قاضيًا لها وفقًا لكثير من الروايات وتوفى بها، لكن يعتقد السكندريون أنه مدفون بضريح منطقة كرموز.