تعد زيارة الملك الأردني، عبد الله الثاني، إلى رام الله هي الخامسة من نوعها منذ توليه الحكم في العام 1999، والأولى له منذ خمس سنوات، ويرى البعض أن تلك الزيارة تحمل دلالات مختلفة، خاصة أنها تأتي بعد المواجهات التي شهدها المسجد الأقصى المبارك الشهر الماضي، والفتور الذي شاب العلاقات بين عمّان ورام الله على إثر تلك الأحداث. وقال وزير خارجية السلطة الفلسطينية، رياض المالكي، في تصريحات صحفية، بعد اللقاء بين رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس والملك الأردني أمس، إنه تم الاتفاق على تشكيل خلية أزمة مشتركة تتواصل فيما بينها لتقييم المرحلة الماضية والدروس والعبر، وتقييم أي تحديات قد نواجهها في المسجد الأقصى. وجرت العادة على وصف الأردن بأنها الرئة التي يتنفس منها الفلسطينيون، وعليه تصنف العلاقات الفلسطينية الأردنية بأنها دائمة الانسجام متواصلة التنسيق، أما ما أذيع عن أخبار عن تهميش عمان للفلسطينيين في الاتصالات التي أجرتها المملكة مع واشنطن والكيان الصهيوني إبان أحداث الاقصى، فقد سيطر على متابعة الفلسطينيين لزيارة العاهل الأردنيلرام الله، الزيارة حملت عنوانًا عريضًا حول تنسيق الجهود المشتركة في متابعة قضية الحرم القدسي الشريف واتصالات لاستئناف عملية السلام. وتأتي الزيارة أيضًا وسط توتر غير مسبوق بين الأردن وإسرائيل عقب حادث السفار الإسرائيلية في عمان والاستقبال الحافل والدافئ من قِبَل رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو لحارس السفارة لدى عودته لتل أبيب بعد قتله مواطنين أردنيين، مما تسبب في غضب شعبي في الشارعين الأردني والفلسطيني، فحتى الآن نشهد مظاهرات شبة يومية في مناطق مختلفة من الأردن، وهذا الأمر يعتبر عاملًا داخليًّا مثيرًا لقلق النظام الأردني. ورغم التوتر الحالي في العلاقات الأردنية الإسرائيلية إلَّا أنه لا إجراءات أردنية تصعيدية على ما يبدو ضد إسرائيل، فعمان أشارت إلى أن من بين أهداف الزيارة تحريك المياه الراكدة في مسار القضية الفلسطينية، والتأكيد على أن الأردن سيبقى طرفًا أساسيًّا فيها. ويبدو أن الملك الأردني مازال يراهن على الحصان الخاسر، فالسلام مع الكيان الصهيوني بات أمرًا مستحيلًا، فحتى القيادة الفلسطينية التي زارها عبد الله، كانت في بداية الأمر إبان تولي الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قد أظهرت تفاؤلًا اتجاه مبادرة إدارته لإحياء مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية، العالقة من عام 2014، لكن في الأسابيع الأخيرة، انتقد مسؤولون فلسطينيون علنًا تعامل البيت الأبيض مع التوترات في الحرم القدسي، وعدم قدرته السيطرة على بناء إسرائيل في المستوطنات وعدم دعمه حل الدولتين المتفق عليه. اللافت أنه بعد الزيارة الأردنية للسلطة الفلسطينية بدأ رئيس السلطة الفلسطينية، بإطلاق تصريحات تصب في صالح إعادة التنسيق الأمني مع إسرائيل بعد أن كان قد أوقفها إثر الانتهاكات الإسرائيلية الأخيرة على المسجد الأقصى، حيث كشف مستشار للرئيس الفلسطيني، محمود الهباش، عن شروط السلطة الفلسطينية لعودة التنسيق الأمني مع تل أبيب، مؤكدًا وجود محاولات إسرائيلية للتواصل مع رام الله من أجل استئناف التنسيق. وقال الهباش، إن القيادة لا تمانع من استئناف المفاوضات إذا كانت إسرائيل معنية بذلك، شريطة التزامها بإعادة الترتيبات على الأرض، وفق الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين، من خلال عدة نقاط من بينها، أن تكون المناطق المصنفة «أ"» حسب اتفاقية أوسلو تحت سيادة السلطة بشكل كامل، وأن تكون مراكز السلطة لها حماية قانونية ودولية، ووقف تدخل إسرائيل في هذه المناطق، بالإضافة إلى ضمان حرية تنقل المواطن الفلسطيني دون قيود أو شروط، والالتزام بحق السلطة في السيطرة على المعابر. ورغم أن الزيارة أخذت مظهرًا أردنيًّا يشي بتشنج في العلاقات بين عمان وتل أبيب، حيث لم يلتق الملك الأردني بنتنياهو خلال الزيارة، مما تم اعتباره جزءًا من الاجراءات الدبلوماسية التي تهدف للتعبير عن استياء عمان من اسرائيل، إلَّا أن هذا التشنج قد لا يعني بالضرورة توتر العلاقات بين العاهل الأردني ونتنياهو، فطبيعة المجريات تحتم على الملك الأردني اتخاذ مثل هذه الإجراءات، فلو أرادت الأردن بالفعل الرد على انتهاكات إسرائيل، لانسحبت عمان من اتفاقية وادي عربة للسلام مع إسرائيل، خاصة أن تل أبيب انتهكت الجزء المتعلق بالاتفاقية وهي الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وقد يكون الإجراء الأردني بعدم زيارة عبد الله الثاني لنتنياهو حتى لا يزيد من حالة الاحتقان الشعبي في الأردن ليس إلَّا، فالشعب الأردني مازال يغلي إثر قتل إسرائيلي لأردنيين وتسليم السلطات الأردنية القاتل إلى إسرائيل دون محاكمة، وهو الأمر الذي انعكس في أروقة البرلمان الأردني، حيث انتقد البرلمان الأردني الحكومة على خلفية حادثة السفارة الإسرائيلية، وقبل أربعة أيام وقَّع 82 نائبًا أردنيًّا مذكرة تطالب بطرد السفيرة الإسرائيلية. وبالاستناد إلى أقوال مسؤولين أردنيين فإن زيارة الملك الأردني تهدف إلى عودة العلاقات العلاقات الأردنية الإسرائيلية إلى سابق عهدها من خلال ضبط عقارب الطرف الفلسطيني للسيطرة على أي انتفاضة قد تحدث ضد إسرائيل، حيث قال النائب الأردني، منصور مراد، إن زيارة العاهل الأردني ولقائه عباس برام الله، تهدف إلى تهدئة الأوضاع بالضفة الغربيةالمحتلة ومنع اشتعال الانتفاضة، وإعادة إحياء مفاوضات التسوية، وتوقع النائب عودة العلاقة بين الأردن والاحتلال الإسرائيلي إلى سابق عهدها، في ظل حالة الضعف العربي وبعد حادثة السفارة الإسرائيلية في عمان، مشيرًا في الوقت ذاته إلى وجود ضغوطات أمريكية على الأردن لتهدئة الأوضاع. ويرى مراقبون أن محاولات الملك الأردني لتهدئة الأوضاع مع تل أبيب من خلال البوابة الفلسطينية يصب في صالحه، خاصة أن هناك أصواتًا أردنية بدأت تنتقد سياسة تعاطي الحكومة الأردنية مع إسرائيل، وكما هو معروف أن الأردن يعتمد على الاستقرار الداخلي والخارجي لجذب الاستثمارات الاقتصادية إليه، والأردن حاليًا قد أصبح في بؤرة مليئة بالتوترات سواء بحدوده مع العراق وسوريا، أو حتى في الأحداث الجارية في سيناء المصرية، والتي لا تبتعد كثيرًا عن النقب، وبالتالي الملك الأردني لا يريد جبهة مشتعلة أخرى في الضفة الغربية تضاف إلى الجبهات الأخرى.