الجميع كان ينتظر عملية الرابع عشر من تموز في الحرم القدسي التي طرحت نفسها الآن على الواقع وستسفر إرهاصاتها على تغيير طابع المنطقة، وربما يتحول الصراع الذي بات يعرف (الحرب على الإرهاب) إلى صراع ديني تنجر إليها المنطقة برمتها، خصوصاً أنَّ من يمتلك القرار في إسرائيل اليوم هو ائتلاف يميني يضم أحزاباً دينيةً متشددة من أقصى اليمين ك"إسرائيل بيتنا" و"شاس"، و"البيت اليهودي"، و"يهودية التوراة"، فضلاً عن حزب الليكود الذي يتزعمه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، والذي شرَّع دخول المستوطنين إلى القدس رغم تحريم من قبل الحاخامات، والذي اعتنق فكرة يهودية الدولة والقدس غير قابلة للتقسيم وهي العاصمة الأبدية لإسرائيل. ربما يحاول الساسة الدبلوماسيون احتواء المشهد بالموافقة على تقسيم القدس مكاناً وزماناً، وحظر الآذان مقابل إزالة البوابات والكاميرا.
هذا ما يتوقعه الكثير من المحللين السياسيين في ظل الحديث عن صفقة القرن التي كشفت عنها صحيفة "هآرتس" بين ملك الأردن عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تسعى بشكل أو بآخر لتصفية القضية الفلسطينية وتوزيع الفلسطينيين على ثلاث دول (الأردن، مصر، دولة الاحتلال) خصوصاً وأنَّ الأخيرة صرحت في أكثر من مناسبة أنها غير مقتنعة بحل الدولتين، وهذا ما يدل على وجود بديل ما يحاك في دهاليز السياسية، ويدل على ذلك أيضا الزيارات المكوكية التى قام بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس سبقت العملية، وقطعت بسبب ما حدث بالحرم القدسي، وظهر ذلك أيضاً خلال خطابه الأول من نوعه الذي يشيد به بالمتظاهرين ويدعمهم ويقدم لهم العون بل ويجمد الاتصالات مع دولة الاحتلال ويقر أن القدسالشرقية سيادة فلسطينية، أي بمعنى لا وصاية لأحد عليها. أيضا يبعث برسالة مفادها أنَّ الحل يكمن في الرجوع للمبادرة العربية المطروحة من قبل السعودية عام 2002 دولتين لشعبين والقدسالشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية الأبدية، وكل هذه الأمور لها علاقة بقضية القدس المتنازع عليها وأين ستكون إذا مُررت صفقة القرن.
الأمر أكبر من البوابات الإلكترونية والكاميرات الحرارية، لكن أي تغيُّر في القدس سيلحقه تغير آخر وعلى هذا المنوال حتى تتغير معالم القدس كلياً. إزالة البوابات أو حتى الكاميرات من وجهة نظر الاحتلال هو إقرار بحق الفلسطينيين في القدس، وهذا ما يدحض روايته، والفلسطينيون هذه المرة لن يمروا من البوابات ولا عن الكاميرا لأنَّ في ذلك إرضاء لأي تغير جذري في القدس، والتوقعات أن تبقى القضية عالقة بين الأطراف لاستغلال المواقفة على طاولة المفاوضات السرية مع غياب الفلسطيني عنها.
القدس تتبع لإدارة الأوقاف الأردنية الوصية على الحرم منذ عام 1924 من زمن الشريف حسين، واستمرت حتى اتفاق السلام وادي عربة بين الأردن وإسرائيل وجددها الرئيس عباس للملك عبد الله عام 2013، فهي بذلك صاحبة الحق التاريخي والثقافي في القدس. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، ماذا لو رفعت الوصاية الأردنية عن القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية؟ وهل هناك قيادة فلسطينية قادرة على تحمل مراوغات الاحتلال وعدم وضع القدس على طاولة النقاش في المفاوضات؟ هل القيادة الفلسطينية لديها خطط مستقبلية لمواجهة اليمين المتطرف داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي؟ ولماذا تصر دولة الاحتلال دوماً أن تفاوض غير الفلسطيني على القضايا الحساسة، فهي ومنذ أن كتبت حُلمها على ورق وأصبح مادة للنقاش عكفت أن تفاوض غير الفلسطيني، بدأت بالخلافة العثمانية، ومن بعدها الانتداب البريطاني، ثم الجامعة العربية، ثم الأردن ومصر، إلى أن وقع اتفاق منظمة التحرير الذي أصرت فيه أن تبقى الأماكن المقدسة كما ذكرت سلفاً في يد المملكة الأردنية الهاشمية. كاتب فلسطيني