والمقدسيون رأس الرمح، وطليعة المواجهة القوى الوطنية الفلسطينية أمام امتحان وطني كبير فلنتهيأ للمواجهة، ولنحسم الأمر، إنه المفصل التاريخي، إنها المسؤولية الوطنية ما تعرضت له مدينة القدس على وجه العموم، والمسجد الأقصى على نحو خاص، في الرابع عشر من تموز 2017، ليس مجرد أحداث عادية طالما اعتدنا عليها، وليس مجرد تصعيد عسكري صهيوني طالما شهدناه، وليس ردة فعل على عملية فدائية جرت في باحات المسجد الأقصى، ليأخذ منه العدو الصهيوني ذريعة لهذا التصعيد، فهو في الواقع لا يحتاج لأية ذرائع عندما يضع خططه ومشاريعه قيد التطبيق والتنفيذ. ما قاوم و يقوم به العدو هو برنامج ومشروع كامل، بسط السيطرة والنفوذ والهيمنة والإخضاع على الشعب الفلسطيني وعلى كامل الوطن، وعلى القدس وخاصة ضد المقدسات الإسلامية والمسيحية والمسجد الأقصى في المقدمة. ويستغل العدو الصهيوني الواقع الرسمي العربي المترهل والمتداعي، وخاصة واقع سلطة الحكم الإداري الذاتي، وكذلك جملة الأوضاع العربية رسمياً وشعبياً، والانشغالات العالمية التي وضعت قضية فلسطين جانباً، ولا تستحضرها إلا عندما تتهيأ لمشروع جديد من مشاريع الإملاء والإخضاع وفرض الاستسلام على شعبنا، وتصفية قضيتنا. لم يعد العدو الصهيوني يقف عند الجهات العربية الرسمية التي تقيم العلاقات معه، فهو لا يقيم لها وزناً، سواء أكانت السلطة أو الأردن الذي يشرف على أوقاف القدس، ولا عند أي دولة عربية حتى التي طبعت العلاقات معه وتبادلت الزيارات معهم في عواصمهم، واستقبلتهم في مراكزهم الحكومية، وتعتبر كل موقف يصدر عنهم حتى بصورته الخجولة موقف لا يهمهم ولا يعني لهم شيئاً. القدس تحتاج للحماية وكذلك الأقصى، والمسجد الأقصى لا يجري حمايته من باحاته وبواباته، بل من السور، من سور القدس، ولم يفت الأمر رغم خضوع القدس للاحتلال منذ خمسين عاماً، والسور ليس دائماً جدار وحجارة، ففي مراحل تاريخية يكون السور طوقاً بشرياً يحمي المسجد الأقصى. منذ الرابع عشر من تموز يوم إغلاق الأقصى، ومن ثم تركيب البوابات الإلكترونية أخذ الحراك الشعبي دويه، وشهدنا الصلاة على الإسفلت قبالة الأقصى، فرفض شعبنا الصلاة فيه والدخول إليه بإشراف صهيوني عبر البوابات إلكترونية، فلقد أدرك أهلنا في القدس أن وضع البوابات على مداخل الأقصى رسالة تقول، أنه هو الذي يتحكم، وهو السيد بلا منازع، وهو صاحب القرار في الفتح والإغلاق، وهو الذي يحدد من يدخل المسجد ومن ممنوع عليه الدخول، هو من يقرر السماح برفع الآذان ، أو اخفاض الصوت، أو منعه نهائياً. أمام هذا كله وأمام مشروع وبرنامج ومخطط التهويد والاستيطان والاستيلاء على الأقصى، وهو الذي لم يتوقف يوماً عن التطاول عليه سواء بإحراقه عام 1969، أو اقتحامات المستوطنين لباحاته بشكل متواصل، أو الاستيلاء على الحائط الغربي للمسجد (حائط البراق وليس المبكى)، أو حفر الأنفاق تحت المسجد بما يهدد أساساته ويعرضه في كل وقت للانهيار، إلى غير ذلك من تغيير للمعالم الإسلامية. أمام هذا كله وبعد انكشاف طبيعة السلام الزائف الذي جرى الترويج له، وأمام مشاريع الحل التصفوي ، أو منا يسمى بالحل الأمني، أو صفقة القرن، وهو حل تصفوي بامتياز لابد من تحديد المواقف من دون لبس، أو غموض أو لعب على الكلمات. ومن هنا فإن أي موقف يصدر فلسطينياً أو عربياً يجب أن يستند أولاً وقبل كل شيء إلى تشخيص دقيق لطبيعة التصعيد النوعي في القدس بشكل عام، وعلى الأقصى على نحو خاص، وبدون هذا التشخيص الدقيق، تخرج المواقف ملتبسة، أو تهدف للاحتواء والالتفاف على الموقف الشعبي الغاضب والمتحرك والمتنامي. مواقف الحرد، ووقف الاتصالات مع العدو لحين إزالة البوابات الالكترونية لا ترتقي لمستوى التحدي والخطر الداهم، والدعوة لاجتماع المجلس المركزي ليصادق على بيان معد سلفاً يكرر عبارات الغضب والإدانة والاستنكار ومطالبة المجتمع الدولي بالضغط على الكيان الصهيوني، والدعوة لاجتماعات الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي و.. و.. إلخ، لا تجدي نفعاً، وكما يقال (إلي بجرب المجرب عقله مخرب)، ودعوة اللجنة التحضيرية لعقد المجلس الوطني لاستئناف عملها هو هروب من الاستحقاقات الوطنية المترتبة على السلطة ذاتها ومنظمة التحرير في واقعها. فهناك استحقاقات وطنية لا يجوز تجاهلها أو القفز عنها، أقلها تمزيق اتفاق أوسلو، واعتبار وثيقة الاعتراف لاغيه وباطلة وكأنها لم تكن. الاستحقاقات الوطنية هي في إطلاق طاقات شعبنا وتعزيز صموده، وعدم ملاحقة المقاومين، هي في فك كل ارتباط بكل المطبعين والمندمجين بالمشروع الصهيوني، والوقوف إلى جانب قوى المقاومة في الأمة، إلى جانب جبهة المقاومة المتسعة. لقد حملت الأخبار عن رضوخ العدو الصهيوني مرغماً على رفع البوابات الإلكترونية والكاميرات، وهو انجاز وطني لأهل القدس الذين عاندوا الاحتلال ورفضوا اجراءاته ورفعوا الصوت عالياً وتمسكوا بمطالبهم كاملة. لا نحمل أهل القدس مالا يحتملون، فما كان يجوز تركهم وحدهم في ساحات المواجهة، لقد كانت فرصة للكل الفلسطيني أن يهب مستخلصاً الدروس، بأنه لا خيار سوى الانتفاضة في مواجهة العدو ومقاومته بكل الأشكال، وهذا ما ندعو إليه اليوم وأمام الأخطار المحدقة والداهمة أن يتحمل الكل الفلسطيني المسؤولية الوطنية وفي ذلك امتحان وطني له ما بعده، ولازال النداء ملحاً أن نتهيأ للمواجهة، وأن نحسم الأمر، إنه الامتحان الوطني، إنه المفصل التاريخي، إنها المسؤولية الوطنية. إلى أهلنا في القدس، المرابطون الصامدون، أنتم رأس الرمح في معركة المواجهة، وأنتم طليعة المواجهة، ولقد أثبتم بصبركم وصمودكم وتضحياتكم أنكم حماة الأقصى، فتاريخ أهل القدس أثبت أن الانتفاضات الشعبية الواسعة تشتعل منها، وهي التي تطلق شرارتها، وهي التي تعيد لفلسطين حضورها، وللقدس أنوارها، وللمسجد الأقصى رمزيته الدينية والروحية.