انضمت تركيا إلى جوقة الوساطة الناشطة على خط الأزمة الخليجية القطرية، إذ أعلنت الرئاسة التركية أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يعتزم زيارة السعودية والكويت وقطر يومي 23 و24 من الشهر الجاري. جولة أردوغان الخليجية المزمعة، التي استثنت الإمارات العربية، تهدف بحسب مراقبين، إلى ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، فليس سرًا أن العلاقة بين أنقرة ودول معسكر المقاطعة لقطر ليست على ما يرام، وقد تسهم الجولة في تحقيق انفراج على صعيد العلاقات مع السعودية على وجه الخصوص. وتعول أنقرة على أن يشكل إصلاح ذات البين مع دول معسكر المقاطعة بداية لدورٍ تركي في الوساطة التي تبدو مهمة مستحيلة في ظل ما يشوب العلاقات التركية مع بعض دول الخليج من توتر بسبب خلافات مستفحلة في عدد من الملفات يختص قسم منها في العلاقة المتميزة بين الدوحةوأنقرة وما تراه دول المقاطعة، إضافة إلى التناغم الموجود بين تركياوقطر، فضلا عن أن عددا من المسؤولين الأتراك نوهوا خلال إحياء الذكرى الأولى لمحاولة الانقلاب بما قالوا إنه دورٌ إماراتي داعم للمحاولة الإنقلابية في يوليو من العام المنصرم. يعتبر الرئيس التركي حليفًا قويًا لقطر في خلافها مع جيرانها الخليجيين، وطالما انتقدت أنقرة قائمة مطالب قدمتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر لإنهاء العقوبات التي فرضتها على الدوحة الشهر الماضي بسبب مزاعم متعلقة بتمويل قطر لجماعات إرهابية وبتحالفها مع إيران، وهي اتهامات تنفيها قطر على الدوام، كما عزز أردوغان، الوجود العسكري التركي في قطر، وهو ما اعتبرته الدول المقاطعة اقتحامًا لدولة من خارج المنظومة الإقليمية الخليجية والعربية في الخلاف مع الدوحة، وترجم لاحقًا بالطلب من الأتراك أن يغقلوا قاعدتهم العسكرية في الأراضي القطرية، فكيف سيقوم أردوغان بالوساطة في ملف الأزمة الخليجية بينما تعاني علاقته توترًا ملحظوظًا مع القسم الأكبر من الدول المقاطعة؟ وهل ينجح في حل أزمة هو جزء منها؟، حيث يتزامن خبر الوساطة التركية للأزمة الخليجية مع خبر وصول دفعة سادسة من القوات التركية إلى قطر، وهو الأمر الذي لا يرقى لأطراف المقاطعة وخاصة السعودية، فوجود القوات العسكرية أغلق على الرياض الباب الذي كانت تلوح من خلاله بإجراء عمليات عسكرية ضد قطر، وبالتالي حجم كثيرًا من أوراق الضغط السعودي ضد قطر. وإذ تعتبر السعودية ملف الإخوان المسلمين جزءًا من مماحكتها مع قطر، يشترك أردوغان في دعمه، فأنقرةوالدوحة داعمان أساسيان للإخوان، بما في ذلك حماس التي تشن الرياض حربًا سياسية شعواء ضدها، وعندما يذكر ملف الإخوان لا بد من التعريج على القاهرة وأبو ظبي وهما من الدول المشاركة بقوة في مقاطعة قطر، فمصر وتحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، تعتبر أن تنظيم الإخوان جماعة إرهابية، رغم المرونة التي أبدتها مؤخرًا في التعاطي مع ملف حركة حماس، فالقاهرة وأبو ظبي، وعبر ورقة محمد دحلان، يسعيان لاستقطباب الحركة وإخراجها من الجناح القطري إلى الإماراتي، خاصة أن مصر تتحكم بأهم متنفس لقطاع غزة وهو معبر رفح. وعلى صعيد آخر، لا يمكن لوساطة تركية أن تمر في المنطقة بأريحية مطلقة، فالولايات المتحدةالأمريكية سبقتها في دور الوساطة رغم إعلان فشلها، وعزى البعض هذا الفشل إلى سببين مهميين، وهما ينطبقان على الوسيط التركي ما يمهد لفشل وساطتها هي أيضا، فالسبب الأول تصميم الدول الأربع على إفشال أيّة وساطة لا تُحقّق مطالبها في الإذعان الكامل لدولة قطر، وتنفيذها جميع شروطها ال13 بالكامل، ورفعها الرّاية البيضاء، وفي الأساس انتقدت أنقرة هذه المطالب، السبب الثاني يتلخص في اتهام الدول الأربع تيلرسون، بالانحياز إلى دولة قطر في هذه الأزمة، ومُعارضة الحِصار المفروض عليها لأنه يضر بالعمليات العسكرية الأمريكية ضد "داعش"، ومن ثم فالانحياز التركي لقطر واضح ويعبر عنه بالقواعد العسكرية التركية في الدوحة. من ناحية أخرى، فالعلاقات بين أنقرةوواشنطن تمر بأسوأ حالاتها، فلا توافق بين الطرفين في الملف السوري، والملف الكردي بدأ يسعّر الخلاف بينهما، كما أن واشنطن ترفض تسليم الداعية فتح الله جولن لأنقرة التي تحمّله تركيا مسؤولية الانقلاب الفاشل، كما أن هناك خلافات أمريكية تركية بسبب عدم سماح أنقرةلواشنطن باستخدام قاعدة إنجرليك كما في السابق، الأمر الذي دفع واشنطن لاستحداث قواعد عسكرية لها في سوريا، وبالتالي فواشنطن لن تسمح بدور تركي في منطقة الخليج يعيد له الكثير من أوراق القوة إلا إذا أرادت واشنطن ذلك، ولذا فإن الوساطة التركية تحتاج إلى دور مضاعف لاستكمال الوساطة في الملف الخليجي، إذ عليها أولا إقناع واشنطن بأنها طرف يمكن الوثوق به، وعليها ثانيا إقناع دول الخليج المقاطعة بالإضافة لمصر بأنها ليست طرفًا في الصراع، وهو أمر من الصعوبة بمكان خاصة في ظل انحياز أنقرة للدوحة، كما أن مجرد قبول الرياض وتقاربها مع دور للوساطة التركية هو رسالة مباشرة لمصر والإمارات بالابتعاد عن ملف المقاطعة، وهو الأمر الذي من شأنه أن يفرط عقد هذا التحالف الرباعي ضد قطر، وهو أمر لا تحبذه بطبيعة الحال، فالرياض مازالت حريصة على الإبقاء عليه، فبالأمس شددت كل من القاهرةوالرياض على ضرورة إبقاء العقوبات على قطر ما دامت غير ملتزمة بشروط الدول المقاطعة. إن الدور التركي قد يكون مفيدًا فقط في حال عودة المياه إلى مجاريها بين قطر وأشقائها في الخليج، وهو ما يعني أن تركيا قادرة فقط على وضع رتوش بسيطة على أي اتفاق ينهي الأزمة في الخليج، أما أن تلعب أنقرة دور الوساطة فهو أمر معقد للغاية، خاصة أن تركيا تحتاج إلى وساطة لحل خلافاتها مع مصر والإمارات وحتى السعودية في الآونة الأخيرة، ويرى مراقبون أن زيارة أنقرة للسعودية قد تكون أقرب إلى توضيح موقفها من الأزمة الخليجية وأنها على مسافة واحدة من أطراف الأزمة أكثر منه دور للوساطة، وأن أنقرة ستحاول إمساك العصا من المنتصف حتى لا تخسر علاقاتها الاقتصادية مع أي طرف من أطراف الأزمة الخليجية.