في أكثر من عاصمة إقليمية ودولية، تتواصل الجهود الساعية لاحتواء الأزمة الخليجية، في ظل غياب أي أساس واضح للتهم التي وجهتها الدول المقاطعة للدوحة، حيث تزايدت الدعوات للحوار وطرحت وساطات لعلها توقف الخلاف القائم داخل البيت الخليجي. بدأ وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، جولة أوروبية، واتخذ لها مسارين أحدهما يتعلق بالشق الإنساني، وهو معني بالحصار الجوي والبحري والبري المفروض على قطر من قِبَل السعودية والإمارات والبحرين، والآخر سياسي ويتعلق بطبيعة الأزمة الخليجية. التحركات الدولية تجاه الأزمة في اتصال هاتفي جديد بحث الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، مع أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، آخر مستجدات الأزمة الخليجية، واستعرض الجهود الإقليمية والدولية الساعية لحلها، وفي السياق ذاته تحادث ماكرون هاتفيًّا مع أمير الكويت، صباح الجابر، الذي يقود وساطة حول هذا الغرض، ويبدو أن الوساطة الكويتية لا تسير بأريحية، فرغم تأكيد الأمير الكويتي أن التقريب بين الأشقاء في دول الخليج، وإزالة الخلافات، واجب لا يستطيع التخلي عنه مهما صعبت الجهود، إلَّا أن هناك مؤشرات تدل على اتساع دائرة الصعوبات فيها، فقطر حتى الأمس القريب مازالت تبدي مخاوفها من لعبة انقلاب الحكم فيها، حيث حذرت الخارجية القطرية، أمس الاثنين، من أن أي محاولة لتغيير النظام في الدوحة ستلقي بآثارها على الجميع. وبدأت قطرالتحرك باتجاه دول ذات طابع عالمي، فباريس كانت أحدث المحطات الدبلوماسية القطرية، ومنها طالب وزير الخارجية القطري بوقفه حازمة تجاه ما أسماه إجراءات المقاطعة التعسفية وغير القانونية ضد بلاده، مجددًا التأكيد على استقلال قرار الدوحة، كما أكد الوزير القطري استعداد قطر للجلوس والتفاوض حول كل ما يتعلق بأمن الخليج. قبل ذلك زار وزير الخارجية القطريبريطانيا، وقد تمخضت المباحثات الثنائية عن دعوة لندن دول الخليج إلى الإسراع بحل الخلافات القائمة بينها، عبر الحوار وحث الدول المقاطعة إلى تخفيف الحصار، ومطالبة الدوحة بالنظر في هواجس جيرانها، على حد قول وزير الخارجية البريطانية، بوريس جونسون. وبحثًا عن حل سريع للأزمة في الخليج، أعلنت الحكومة البريطانية أن جونسون سيلتقي وزراء خارجية السعودية والكويتوالإمارات، في وقت لاحق من هذا الأسبوع، كما سيبلغهم مخاوف بريطانيا من التأثيرات السلبية للإجراءات الجماعية التي اتخذتها تلك الدول على حياة الناس في قطر. يتزامن الحراك القطري الدولي مع تحركات إقليمية خجولة، فباستثناء الزخم الكويتي في الوساطة، تدخل الباكستان على خط الأزمة الخليجية، حيث يبدأ رئيس وزراء الباكستان جولة وساطة بين قطر وعدد من الدول الخليجية انطلاقًا من الرياض، وبالنسبة للدور التركي يعتبر مراقبون أن وساطتها صعبة، فأنقرة تطولها اتهامات الدوحة، فتركيا ليست بعيدة عن دعم الإخوان المسلمين وما يتفرع عنه من تنظيمات، وفي إطار الوساطة التركية التقى وزير الخارجية التركي، السفيرين السعودي والإماراتي والقائم بالأعمال البحريني في أنقرة، ضمن الجهود التي تبذلها تركيا لمنع تفاقم الأزمة الخليجية، وسعيًا لإنهائها بشكل سلمي، وهو الأمر الذي تشكك فيه بعض الدول الخليجية بعد الرسائل العسكرية التي وجهتها أنقرة من خلال إرسال جنود أتراك ومعدات عسكرية لقاعدتها العسكرية في قطر. الحديث عن تدويل الأزمة الخليجية لا يمكن مقاربته من دون الحديث عن عاصمتي القرار العالمتين على الأقل في ملفات الشرق الأوسط، وهما واشنطن وموسكو، والتي قد تتباين مواقفهما من الأزمة الخليجية إلى حد ما، فرغم عرض الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تقديم الوساطة بين قطر والسعودية في اجتماع بين المتخاصمين بالبيت الأبيض، إلَّا أن السياسية الأمريكية أمسكت العصا من المنتصف، فتصريحات البيت الأبيض تنتقد قطر، بينما البنتاجون والخارجية يطلقان تصريحات محابية لقطر وقاعدتي سيلية والعديد الأمريكيتين المتواجدتين فيها، وتدور حالة من الإجماع بين المحللين السياسيين أن هناك ضوءًا أمريكيًّا أخضر سمح لبعض دول الخليج بابتزاز قطر، فرغم أن جميع دول الخليج تعمل تحت المظلة الأمريكية، إلَّا أن عهد ترامب قد يختلف عن عهد أوباما في نظرته لأحزاب الإسلام السياسي، والتي اشتهرت الدوحة برعايتها كالإخوان وحماس، بالإضافة لعلاقاتها بالنصرة وحركة طالبان، ومن جهة أخرى يبدو أنه على الدوحة أن تقديم عروض اقتصادية مغرية تتناسب مع العروض الاقتصادية التي قدمتها السعودية لواشنطن، وألَّا تركن قطر إلى تواجد القواعد الأمريكية على أراضيها، فالقواعد لا تعفيها عن عقد الصفقات الاقتصادية والتي تصب في صالح السيد الأمريكي. وبالنسبة لموسكو نجد أن قطر بدأت تنتهج سياسة تقاربية معها، حيث قال وزير الخارجية القطرية في مقابلة مع صحيفة فيدوموستي الروسية، إن مسألة الدور المستقبلي للرئيس السوري بشار الأسد لن تكون نقطة خلاف بين الدوحة وموسكو، ورغم المواقف المختلفة بين البلدين، فإن الهدف مشترك في سوريا، وهو إنهاء التصعيد القائم هناك. وقال الوزير القطري، السبت الماضي، في مؤتمر مشترك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، إن الحوار هو السبيل الوحيد لحل الخلافات بالمنطقة العربية، لافتًا إلى تقدير بلاده للدور الروسي لاحتواء أزمة قطع علاقات بين قطر ودول عربية وخليجية. ويبدو أن تدويل الأزمة الخليجية أمر متفق عليه ولو بصيغة غير مباشرة، فتحركات وزير الخارجية القطري باتجاه أوروبا، سبقتها تحركات أوروبية لوزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، فبعد زيارته لباريس، وصل الجبير إلى العاصمة الألمانية برلين، حيث التقى الأربعاء الماضي عددًا من المسؤولين الألمان. ويبدو أن الزيارات الدولية لكل من الدوحةالرياض لتوضيح وجهة نظرتها في الأزمة الخليجية، قد لا تساهم في حلحلة الخلافات بها، وتصريحات الجانب الإماراتي ألمحت إلى ذلك، حيث أكد وزير الدولة للشؤون الخارجية بدولة الإمارات، أنور قرقاش، أن قطر ستكتشف في نهاية المطاف أن حل الأزمة في الرياض.