أربعة أعوام مرت على ثورة 30 يونيو، التي أطلقت شارة البدء لحقبة من التجويع والقهر والظلم وبيع الأرض والعرض، حتى أصبحت لعنة تطارد من خطط أو شارك أو حتى دعمها بكلمة ثناء. خرجنا جميعا لإسقاط الفاشية الدينية، لنسلم البلد لفاشية عسكرية أقسمت على تركيع المصريين؛ لتجرؤهم على الخروج على دولتهم في 25 يناير 2011، التي ورثوها بعد حركة 23 يوليو 1952، وكأنهم السادة وغيرهم عبيد، يَحكُمون ولا يُحْكَمون، فعاثوا في الأرض بطشا وظلما وتفريطا. ظننا أننا أسقطنا النظام بسقوط رأسه بعد ثورة يناير، نفس الظن تكرر بعد ثورة 30 يونيو، لكننا كنا واهمين؛ فالنظام الديكتاتوري القمعي ضارب ومتغلغل في جذور الوطن، يُجهز عليه، لا تقوى أي ثورة على استئصاله في أيام أو شهور، بل يحتاج إلى سنوات طوال من العمل الدؤوب على بتر الجذور العفنة، وتنقيتها على مهلٍ. منذ استعادت المؤسسة العسكرية دولتها بعد ثورة، كشفت الأحداث مؤخرا، أنها خُطط لها وأديرت من قبل أجهزة بالدولة، لم نذق طعما للفرحة؛ فتحولت البلاد إلى مأتم كبير، وحالة من الحداد لا تنتهي على ضحايا الوطن؛ سواء في عمليات إرهابية أو داخل السجون نتيجة التعذيب والقتل البطيء، أو حتى غرقا نتيجة محاولة هروب من وطن يغتال أبناءه، أو انتحارا بسبب ضيق الحال وغلاء المعيشة، أو قهرا من التفريط في الأرض. أصبحت مصرنا حقا، شبه دولة، كما نطق السيسي، عندما صرنا تابعين نأتمر بأوامر عمم الخليج، الموجَهة بأيادٍ من واشنطن وتل أبيب، حتى فرطنا في أرضنا وعرضنا عندما قاتل نظام العار لتسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية؛ مستخدما برلمانه، ومنتهكا أحكام القضاء والدستور؛ لتقديمهما على طبق من ذهب للكيان الصهيوني كي يتمكن من تنفيذ أحلامه ومشروعاته ببناء خط سكة حديد موازٍ لقناة السويس المصرية يربط بين إيلات على البحر الأحمر بأشدود على البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة إلى إقامة ممر مائي موازٍ أيضا لقناة السويس، يربط بين الميناءين، بعد تدويل مضيق تيران. انتزع نظام الخسة قرار تسليم الجزيرتين مثل اللص "يسرق ويجري"؛ فرغم صدور أحكام قضائية نهائية وباتة ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية وتأكيد مصرية "تيران وصنافير"، لكنه أرسلها إلى برلمانه ليضفي عليها الشرعية الحرام؛ كمن يبحث عن أب لطفل الزنى والخطيئة، وفي غضون ساعات سرق القرار، الذي سيظل وصمة عار تُلطخ جبينه أبد الدهر، وبعدها حرك أذنابه في المحكمة الدستورية العليا لتمهيد الأرض للتصديق على الاتفاقية من قبل السيسي، الذي لم يدخر جهدا كعادته، في غم المصريين، فصدّق عليها ليلة عيد الفطر. وفي ذكرى انتكاسة 30 يونيو، التي شاركت فيها، لا نغفل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، التي أوصلنا إليها النظام العسكري؛ بسبب قراراته الكارثية، على رأسها تعويم الجنيه، وإطلاق يد الاقتراض بعد اتخاذ القرار المشؤوم بحفر ترعة موازية لقناة السويس القديمة، لتلتهم الاحتياطي النقدي من العملة الأجنبية، حتى وصلت الديون الداخلية والخارجية إلى أرقام غير مسبوقة، سوف تتكبدها الأجيال القادمة محملة بمزيد من اللعنات على نظام 30 يونيو، ناهيك عن عجز الموازنة، وسوء نظام التعليم، وفساد النظام السياسي، وإغلاق المجال العام، ووأد الحريات، واغتيال الديمقراطية، وإطلاق القبضة الأمنية، وصولا إلى احتكار المؤسسة العسكرية لجميع المشروعات ودخولها كل الصناعات حتى كحك العيد، انتهاء بجريمة التفريط في جزيرتي تيران وصنافير. يراهن السيسي على قبضته الأمنية الذي يطلقها في الشوارع والميادين لوأد أي حراك يرفض التفريط في الجزيرتين، بخلاف الحملات المسعورة بدهم المنازل وإلقاء القبض على أي معارض لاتفاقية العار، سواء شباب أو شيوخ أو حتى نساء، لكن هيهات كلما ضاق الخناق كلما اقترب وقت الفرج، وستنطلق ثورة لا تبقي ولا تذر أي فاسد أو خاين أو مفرط في الأرض، "إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ".