محادثات ماراثونية دخلتها رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، للخروج سريعًا من الورطة التي وضعت نفسها فيها بدعوتها إلى انتخابات تشريعية مبكرة، في محاولة لتعزيز سلطتها في البلاد قبل أن تقود عملية «البريكست»، لتتلقى الصفعة القوية بخسارة حزبها الأغلبية ومطالبتها بالاستقالة وتنحى بعض مستشاريها المقربين، الأمر الذي دفعها إلى التوجه سريعًا إلى الحزب الديموقراطي الوحدوي في إيرلندا الشمالية لحشد تأييد عشرة أعضاء إضافيين في البرلمان. وتوصلت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، إلى اتفاق مع زعيمة الحزب الديمقراطي الوحدوي في إيرلندا الشمالية، أرلين فوستر، لدعم حكومة الأقلية التي تتزعمها ماي، مقابل ضمان دعم الحكومة للاتحاديين الديمقراطيين في التصويت على القضايا الكبرى فقط، وهو غير ملزم في الدعم في حال القضايا الأقل أهمية، فيما قالت بعض المصادر، إن ماي تعهدت بحصول إيرلندا الشمالية على أكثر من مليار يورو إضافي في السنتين المقبلتين؛ لتعزيز الاقتصاد والاستثمار في البنى التحتية الجديدة وفي قطاعي التعليم والصحة. قالت زعيمة الحزب الديمقراطي الوحدوي في إيرلندا الشمالية أرلين فوستر، بعد التوقيع على الاتفاق، الذي تم عقب محادثاتها مع ماي أمس الاثنين في لندن: لقد توصلنا إلى اتفاق مع حزب المحافظين حول دعمنا للحكومة في البرلمان، وسيتم نشر تفاصيل الاتفاق كافة بشكل كامل، وكانت زعيمة الحزب الديمقراطي الوحدوي كتبت في صحيفة بلفاست تلغراف، قبل الاجتماع مع ماي: أعتقد أننا أوشكنا على التوصل إلى اتفاق مناسب مع حزب المحافظين لدعم حكومة الأقلية على أساس اتفاق ثقة ودعم. في الإطار ذاته، قال الوحدويون الديمقراطيون، إن الحكومة البريطانية وافقت على تحسين معاملة قدماء المحاربين في إيرلندا الشمالية، وقللوا من أهمية التقارير التي أوردت أن الحزب طلب زيادة قدرها 20 مليار جنيه استرليني في تمويل إيرلندا الشمالية مقابل دعمهم، حيث شككت بعض الأحزاب المعارضة وعلى رأسها حزب العمال في هذا الاتفاق، مطالبين بتفاصيل حول تكاليف الاتفاقية لخزينة الدولة والوعود المالية التي حصل عليها الوحديون الديمقراطيون مقابل دعم حكومة ماي، ورد المحافظون أن الاتفاقية ستضمن لبريطانيا الاستقرار الذي تحتاجه خلال عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي. هذ الاتفاق أتاح لماي الخروج من الورطة التي فرضتها عليها الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت في 8 يونيو الجاري، بعد أن خسر حزب المحافظين، الحاكم في البلاد، الأغلبية في مجلس العموم، وحصل على 318 مقعدًا من أصل 650 في المجلس، بينما عزز منافسه الأساسي حزب العمال، بقيادة جيريمي كوربين مكانته في البرلمان، بعد أن حصل على 29 مقعدًا إضافيًّا وضمن 261 مقعدًا، ويتيح هذا الاتفاق للمحافظين مع الحزب الإيرلندي الشمالي الحاصل على 10 مقاعد في البرلمان، دعمًا ضروريًّا قبيل التصويت إلهام في البرلمان على بنود خطاب العرش الذي أعلنت فيه الملكة إليزابيث الثانية في 21 يونيو البرامج التشريعية للحكومة لفترة العامين المقبلين، مما سيسمح لحزب المحافظين بتشكيل الحكومة. في الوقت ذاته فإن هذا الاتفاق من شأنه أن يتيح لماي استكمال سير المفاوضات حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث رجح سياسيون أن تؤثر نتائج الانتخابات البرلمانية على المفاوضات، وقال مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الميزانية، غونتر أوتينغر، حينها: نحتاج إلى حكومة قادرة على العمل، ومع وجود شريك تفاوضي ضعيف يكمن خطر أن تأتي المفاوضات بنتائج سيئة للجانبين، فيما حذر الوزير البريطانى المكلف بشؤون «بريكست»، ديفيد ديفيس، قبل أيام، من أن أي محاولة من داخل حزب المحافظين لإقصاء رئيسة الوزراء تيريزا ماي قد يكون كارثيًّا للمفاوضات، وقال، إنه متأكد تمامًا أن بإمكان بريطانيا التوصل إلى اتفاقية جيدة مع الاتحاد الأوروبى، موضحًا أن عدم الاتفاق أفضل من اتفاق عقابي، وردًّا على سؤال عما إذا كان إقصاء ماي سيكون كارثيًّا، أجاب ديفيس: نعم بالتأكيد، وتابع: برأيي لدينا رئيسة وزراء جيدة، مضيفًا: أعلم أنها تتعرض لضغوط شديدة في الوقت الراهن، لكني رأيتها وهي تعمل، إنها جريئة وتأخذ وقتًا. وتعرضت ماي إلى دعوات للاستقالة والتنحي عن مهام عملها بعد النكسة، التي تعرضت لها في إطار محاولاتها لتعزيز سلطاتها في البلاد، من خلال الدعوة لانتخابات مبكرة، حيث أكد زعيم حزب العمال، جيريمي كوربين، أن محاولة ماي الفوز بتفويض أكبر أتت بأثر عكسي، قائلًا، إن التفويض الذي خرجت به هو فقد مقاعد للمحافظين وفقد أصوات وفقد دعم وفقد ثقة، وأضاف: أظن أن هذا يكفي لترحل وتفسح الطريق لحكومة تمثل حقًّا كل الناس في هذا البلد، فيما انتقدت النائبة عن حزب المحافظين، أنا سوبري، ماي علنًا وطالبتها بأن تفكر في موقفها. وفي الإطار ذاته، كشفت استطلاعات للرأي حينها أن نحو ثلثي أعضاء حزب المحافظين يؤيدون استقالة رئيسة الوزراء وزعيمة الحزب تيريزا ماي، وإجراء انتخابات جديدة على زعامة الحزب، بعد النتائج المخيبة للآمال التي حصل عليها حزب المحافظين في الانتخابات العامة، وأظهر الاستطلاع أن 60% من الأعضاء يرون أن على ماي الاستقالة من رئاسة الحكومة وزعامة الحزب، وتنظيم الحزب لانتخابات جديدة على مقعد زعيم الحزب، الذي سيقوم بدوره بتشكيل الحكومة، وفي المقابل يرى 37% فقط من الأعضاء أن عليها الاستمرار.