حالة من الغضب والخوف سيطرت على أهالي جزيرة الدهب التي تقع بنهر النيل بين القاهرةوالجيزة، وتتبع مركز الجيزة إداريًا، وذلك بعد تصريحات الرئيس السيسي، في مؤتمر نتائج إزالة التعديات على أراضي الدولة منذ أيام، والتي أكد فيها عدم السماح بالتعدي على نهر النيل، مشيرا إلى جزر النيل المخالفة والتي تصرف في النهر. وقال الرئيس السيسي، إن هناك جزيرة في وسط النيل (دون ذكر اسمها) مساحتها أكثر من 1200 فدان، مليئة بالعشوائيات، متسائلا: "الصرف الصحي هايصرف فين؟ هيصرف في نهر النيل؟ وبعد كده تقولي محطات معالجة ومحطات صرف ونبقى بنأذي نفسنا، يجب على المواطنين الانتباه إلى هذا الأمر، قبل الدولة"، وطالب المسؤولين بأن تكون الأولوية فى التعامل مع هذه الجزر. جزيرة الدهب واحدة من هذه الجزر، والأقرب لإشارة الرئيس في المؤتمر، تقع على بعد أمتار قليلة من محطة مترو الزهراء، على كورنيش النيل، "المعدية" هي وسيلة الوصول الوحيدة إليها، ويحتفظ سكانها بطبيعتهم الفلاحية رغم قربها من الحضر, ولا يوجد سوى الحمار كوسيلة للمواصلات داخل شوارعها وبيوتها الصغيرة. يقطن جزيرة الذهب حوالي 11 ألف مواطن، لا يحظى سكانها بأي ميزة من اسمها، إذ يعانون من غياب كامل للخدمات والمرافق، فلا توجد بها مدرسة واحدة، وتبلغ نسبة الأمية فيها 90%. يعمل كثير من أهلها في الزراعة ورعاية المواشي، وتغطي مساحة الجزيرة الحقول والمزارع. البديل في قلب "جزيرة الدهب"، في معايشة مع الأهالي، لمعرفة مشكلاتهم وردود أفعالهم على تصريحات الرئيس بإزالة بيوتهم، ومدى موافقتهم للانتقال خارجها. "احنا اللى عملنا الجزيرة، تعبنا وشقينا، وزرعنا الأرض بأيدينا، حتى تحولت من مجرد أرض إلى جنة تنتج كل الخضروات والفواكه، كانت فين الحكومة أما الأهالي بنوا بيوتهم من الطين ثم المسلح، وكانت تحصل على رسوم وفواتير الكهرباء والمياه، هذه أرضنا ولن نخرج منها إلا ونحن جثث".. بهذه الكلمات المفعمة بالغضب والحزن بدأ أشرف علي، أحد أهالي الجزيرة حديثه ل"البديل". أضاف علي: "عمري 40 عاما، ولدت في الجزيرة التي عمرها أباؤنا وأجدادنا، نمتلك عقود ملكية للأراضي والبيوت، نسدد كل الالتزامات القانونية للدولة، لسنا عالة على البلد، والجزيرة ليس يوجد بها شخص عاطل، الكل يعمل، ومشهورة بإنتاج أجود أنواع الفواكه والألبان واللحوم، في الوقت الذي يخرج الرئيس السيسي في كل مؤتمر شاكيا الظروف الاقتصادية الصعبة وقلة الموارد". وبسؤاله حول تصريحات الرئيس بخطورة وجودهم على النهر وتلويثهم له، يرد حسين قائلا "نحن كأهالي نشرب من النيل، فكيف سنلوثه، لا نصرف الطرنشات بالنيل، بل نستخدمها كأجود سماد طبيعي للأرض الزراعية". وأوضح علي، أن محاولة تهجيرهم من الجزيرة بدأت في عهد مبارك أيام حكومة عاطف عبيد، وحصل السكان على حكم من القضاء الإداري بعدم تهجيرهم من الجزيرة، بعد إثبات الأهالي أنهم غير معتدين على الأرض، ولديهم عقود ملكية ومخالصات تثبت حقوقهم القانونية. وقال جمعة حنفي: "عندى 64 سنة، وأعيش مع أولادي وأحفادي فى بيتنا الصغير، ونأكل من خير الأرض التي نزرعها، فهذه مهنتنا التي لا نعرف عنها بديلا، ولن يعوضنا عن بيوتنا في الجزيرة أي شقة تريد الحكومة تهجيرنا إليها". وأضاف "نحن انتخبنا السيسي لأنه كان يصرح دائما بأنه مع الغلابة والفقراء، ونأمل أن توفر الحكومة للجزيرة الخدمات المحرومة منها منذ 100 سنة، فلا يوجد بها مدرسة أو وحدة صحية ومع ذلك لم نعترض وتحملنا كل الظروف الصعبة من أجل لقمة العيش". وقال محمد علام: "لن نخرج من الجزيرة، حتى لو الحكومة عوضتنا خارجها بنصف شقق البلد، لن نخرج إلا ونحن موتى، نحن نعلم نوايا الحكومة في تهجيرنا من الجزيرة نظرا لموقعها الاستراتيجي، ومن أجل بيعها للمستثمرين كما كان يريد عاطف عبيد في عهد مبارك". وأضاف: "قرأنا منذ فترة أن وزارة الري والموارد المائية تريد إزالة البيوت الملاصقة للنهر، رغم أن أهالي الجزيرة طلبوا أكثر من مرة برصف النهر لمنع نحر المياه، وهذه البيوت المهددة الآن بالإزالة تم بناؤها منذ سنوات طويلة على مسافة 40 مترا بعيدا عن النهر، ولكن "النحر" هو الذي تسبب في المشهد الحالي وعدم استجابة الحكومة للرصف. ومن جانبه قال محمد عبد الرحمن: الجزيرة بيتنا وشغلنا، نحن جزيرة منتجة، وقمنا بإدخال كل الخدمات التي من المفترض أنها مسؤولية الحكومة بجهودنا الذاتية، حيث قمنا بمد مواسير للمياه عبر النهر من الجانب الآخر للجزيرة لكورنيش المعادي، وكذلك الكهرباء. وأضاف "احنا مش بلطجية ولا رجال أعمال استولوا على آلاف الأفدنة وقاموا بالاستثمار وبيعها بالملايين، نحن مواطنون لنا حقوق، وقمنا بتعمير وزراعة الأرض وليس ببناء أبراج، وكما تريد الحكومة إزالة 30 منزلا بطرح النهر، هل تتخذ ذات الإجراء مع البيوت والفيلات الموجودة بجزيرة الزمالك؟ أم أن سكانها الأغنياء أصحاب السلطة والنفوذ لن يتم الاقتراب من مصالحهم، ويتم فقط هدم بيوت الفقراء؟ ومن جانبه يقول إبراهيم سيد، 22 عام، طالب بكلية الآداب ومن أهالي الجزيرة: لا يعرف الكثيرون أن الأهالي يعيشون حياة "فالصو" وليس كما تسمى الجزيرة الدهب، فأهلها كادحون يعيشون على القليل من عائد زراعتهم للأرض، من يمرض ليلا منهم عليه الانتظار للصباح حتى لو حالته سيئة، نظرا لغياب أي خدمات طبية بالجزيرة بالإضافة إلى توقف عمل المعدية بالنهر ليلا، ومع ذلك ملتزمون بدفع كل الرسوم والعوائد والضرائب والإيجار للأرض والبيت. وبسؤاله عن دور أعضاء مجلس النواب، قال: لا يأتي أحد منهم للجزيرة، ربما لا يعرفون موقعنا على الخريطة أو لسنا من أولوياتهم.