استفاق الفلسطينيون والعرب بعد 20 عاماً من واقع هزيمة 1948 على هزيمة أخرى عام 1967 التي دونها الإعلام العربي تحت تعبير (النكسة)؛ للتخفيف من ثقل أكبر هزيمة في تاريخ العرب الحديث وضياع ما تبقّى من فلسطين، بل واحتلال أجزاء إضافية من دول الطوق، الجولان من سوريا، والجنوب اللبناني، وشبه جزيرة سيناء من مصر. كانت الواقعة في الخامس من حزيران يونيو الساعة الثامنة صباحاً ولمدة ستة أيام ازدادت مساحة دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى قرابة (70.000 كيلومتر)، بعدما قُصف الجيوش العربية عدة وعتاد وهي جاثمة على الأرض، كانت التقارير الاستخباراتية السوفيتية تحذر القيادة العربية من حرب قد تشنها إسرائيل بشكل مباغت في أي وقت، لكن لم تجد آذانا صاغية توقي نفسها من العدوان، ازداد التحذير بعدما نشرت إسرائيل 11 لواء على الحدود السورية، لكن لم يخطر في بال أي عربي أن كيان غريب بجحم إسرائيل قد يهزم جيوشا عربية تتباهى بما تملك من أسلحة وأعداد ضخمة من الجيوش، (كما حصل في الحرب الروسية اليابانية عام 1905 حينما تباهت روسيا بما تملك وباغتتها اليابان وانتصرت عليها)، لقد كان لسان حال الفلسطينيين يقول سأعود إلى البيت وسأصلي بالقدس غداً، وأستمع لأغاني فيروز من على شرفة عكا، وسآكل البرتقال في يافا، ها أنا عائد بعدما قطعت مسافة عشرين عاما من الملجأ، لكن اليوم وبعد هزيمة 67 نقطع المسافات تلو المسافات ولا نصل إلى فلسطين فهي ما تزال بعيدة تسعة وستين عاماً. فلسطين ومنذ اليوم الأول لإعلان مؤتمر (بازل) بسويسرا عام 1897 عن حلم تأسيس دولة إسرائيل، وما تبعها من مقايضات ومساومات عكفت الحركة الصهيونية معتمدة عدم إدخال أي فلسطيني أو ممثل عنه في المراسلات وراحت تتفاوض مع الخلافة العثمانية آنذاك، في غياب تام لأي وجود عربي فلسطيني، استمر مسلسل المراوغة والمساومة سنوات وازدادت الهجرة، وسقطت الخلافة، وجاء الاستعمار البريطاني وأصبحت فلسطين تحت وصاية الانتداب مما ساهم أكثر في الوجود الصهيوني، اضمحلت الكينونة الفلسطينية بين مصطلحات العرب والعروبة وبلاد الوقف الإسلامي وبين الكتب البيضاء والسوداء وقرارات التقسيم، ورغم ظهور الحركة الوطنية الفلسطينية التي هُمشت بسبب نزاعاتها الداخلية والتدخلات العربية والإقليمية، إلا أن التمثيل الفلسطيني ارتبط بالعربي، ومع ذلك تنامت الهجرة واقربت إسرائيل من حلم إنشاء دولتها، انتهى الانتداب البريطاني وكانت الجيوش العربية على أهب الاستعداد لدخول فلسطين وطرد الصهاينة منها، في نفس الوقت كان الفلسطينيون مهمشون من أي تشكيل بين الجيوش العربية سوى بعض العمليات الفدائية الفردية، وأعلن تشكيل الحكومة الفلسطينية الأولى في غزة (عموم فلسطين) ولم تعترف بها الأنظمة العربية، ولا الجامعة العربية، تشتت الشعب الفلسطيني وأعلن قيام إسرائيل وانهزم العرب أمام العصابات الصهيونية، وبقى العرب يصرون على أن تحرير فلسطين يأتي من العرب والقوى الخارجية، مع غياب تام لأي من الهوية الفلسطينية، فلماذا لم تترك فلسطين لأهلها كما تركت الجزائر؟؟ وهل أضاع العرب والفلسطينيون جنة عدن حينما رفضوا قرار التقسيم عام 1947، وحينما هاجموا تصريحات الرئيس التونسي (بورقيبة) عام 1966 ونعتوه بالخيانة العربية؟؟ ماذا لو قبلت الأنظمة العربية آنذاك قرار التقسيم هل ستوصف بالخيانة من قبل الأنظمة التقدمية فيما بعد؟؟ ماذا لو أقام الفلسطينيين دولتهم على في الضفة وقطاع غزة كحل مؤقت، هل سيكون الحال أفضل مما نحن عليه الآن لا نملك الضفة ولا نسيطر على غزة. القصة التاريخية المعروفة أن الضفة الغربية ضمت للمملكة الأردنية حتى عام 1967 وكذلك غزة تحت الإدارة المصرية، وطيلة الفترة التي سبقت الهزيمة كانت الحركات الفلسطينية والفكر السادة فكرة القومية العربية ومحاربة الأنظمة الرجعية العربية، وأن فلسطين لا تحرر إلا بتحرر العرب من أنظمته والوحدة، وكان الإعلام العربي مبدع في الألفاظ النابية ضد كل من يقف أمام القومية العربية، في فترة الاستعداد والبعد عن حرب شاملة أو كما أطلق عليها القوميون العرب فرع فلسطين فترة (فوق الصفر تحت توريط) أي لا نريد توريط النظام المصري بحرب شاملة مع إسرائيل حتى العملية الفدائية الضئيلة لا تتم إلا بتنسيق مع الناصرية وتخطيط أيضا وتوقيت كذلك، الشعوب العربية معبأة ومشحونة ضد الأنظمة التي أضاعت فلسطين عام 48 ويرون في الخطاب العدائي إشباعا لقهرهم، إلا أن الفلسطينيين أدركوا أن القرار يجب أن يخرج منهم وأن فلسطين لا تحرر إلا بأيدٍ فلسطينية فقط وبمساندة عربية، أنشئت منظمة التحرير ولكنها كانت أداة في يد الناصرية في يد الجامعة العربية، إلى أن أتت الهزيمة وكشفت عن الفجوة بين القيادة والقواعد حينما قال الجندي (ماكوا أوامر) ينتظر الأوامر من القيادة العليا لحماية نفسه، قطعت هذه الأنظمة شوطاً كبيرا في تعبئة الشارع العربي وقيدته بأنها حاملة اللواء ضد الرجعية إلى يوم سقط فيه الخيار العربية، وجاءت لنا الحركات الوطنية والتي حورب أيضا من قبل المنظمات الإسلامية، ووصلنا لما وصلنا إليه الآن وما جنيناه من هذا الهزيمة المرة التي علقها كل عربي، دعوا فلسطين وشأنها فيها ليست لعبة أو كرة يمتلكها من أراد أن يكون لاعباً أساسيا في لاعبة الأمم، فلسطين اليوم لا تظهر على الخارطة العربية، ابتلعتها ما كانت تعرف بدولة المسخ "إسرائيل"، واليوم أصبحت صديقة في محاربة الإرهاب، وعلى الفلسطينيين جميعا ألا يعلقوا مصالحهم الوطنية في أيدي المصالح والتربيطات الخارجية، ولنا مثال حي الآن يفصل على مقياس حركة حماس التي تعاملت مع الأمم والأنظمة على أنها جمعيات خيرية فدفعت ثمن ذلك عزلة وانقسام وتشتت، والباقي في نفق سياسي مظلم.