حالة روحانية تنتاب مريدي مسجد السيدة نفيسة، حيث الهدوء والسكينة والرضا، واليقين باستجابة الدعاء، وفي شهر رمضان تعلو الحالة الإيمانية لدى كثيرين، ليمتلئ المسجد بالمتيمين بآل البيت، الذين يقصدون السيدة نفيسة للتبرك والاستمتاع بصلاة التراويح والدعاء في حضرة السيدة. داخل درب السباع يقع المسجد بمنطقة درب السباع، في بداية طريق أهل البيت، ويعد ثاني مسجد بعد "الإمام علي زين العابدين"، وتزخر المنطقة بالمقامات، مثل السيدة سكينة بنت الحسين، والسيدة رقية بنت علي بن أبي طالب، وسيدي محمد بن جعفر الصادق، والسيدة عاتكة عمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بالإضافة إلى مسجد السيدة زينب. وذكر المؤرخ المصري، تقي الدين المقريزي، في كتاب "الخطط المقريزية"، أن أول من بنى على قبر السيدة نفيسة هو عبيد الله بن السري، والي مصر من قبل الدولة العباسية، وفي عهد الفاطميين أعيد بناء الضريح وأضيف له قبة، حيث وجد لوح رخام وضعت على باب الضريح تحمل اسم الخليفة الفاطمي المستنصر بالله وألقابه، لكن بعوامل الزمن، حدث بعض التصدعات والشروخ بالقبة ليتم تجديدها في عهد الخليفة الفاطمي الحافظ لدين الله، وتم كساء المحراب بالرخام سنة 532 هجرياً و1138 ميلادياً، وتولي الخلفاء العباسيون مسؤولية نظارة المشهد النفيسي بأمر من السلطان الناصر محمد بن قلاوون. وتجدد ضريح السيدة نفيسة في عهد الخليفة العباسي المعتضد بالله أبو الفتح أبو بكر بن المستكفي، على نفس الهيئة التي توجد الآن، وللمسجد مدخلان؛ أحدهما للرجال والآخر للنساء، وحدثت بعض التعديلات الحديثة في مسجد السيدة نفيسة حيث تم فرشه بالرخام وتجديد المقصورة النحاسية الموجودة بالضريح التي ترجع إلى عهد والي مصر عباس الأول، ويحتوى المسجد على بعض اللوحات المرسومة والكلمات المديح في أهل البيت. نفيسة العلم هي بنت الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن بن علي بن أبي طالب، من سيدات أهل البيت، عرفت بالعبادة والزهد، وولدت في مكة 145 هجرياً، وأمها زينب بنت الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، في الخامسة من عمرها انتقل بها والدها إلى المدينةالمنورة، وكانت تذهب كل يوم إلى المسجد النبوي لتلقي العلم وحفظ القرآن والأحاديث وتعلم الفقه من علمائه وظلت هكذا قبل أن تتم سن الزواج حتى لقابها الناس ب"نفيسة العلم". وتزوجت السيدة نفيسة من إسحاق المؤتمن بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وجاءت إلى مصر مع أسرتها، وعندما علم أهل مصر بقدومها خروج في استقبالها من مدينة العريش وحتى القاهرة، في 26 رمضان 193 ه، وكان بيتها مفتوح للجميع الذين يقبلون عليها للتبرك بها والتعلم منها، حيث كانت عالمة فى الفقه والتفسير. أثناء وجود السيدة نفيسة بمصر، كان يجاور بيتها عائلة يهودية لديهم ابنة مصابة بالشلل ولا تتحرك، فكانت أم البنت تريد أن تذهب إلى الحمام، لكن البنت رفضت، وطلبت أن تجالس السيدة نفيسة التي رحبت، وجلست معها، وقامت السيدة وتوضأت جرى ماء وضوئها إلى البنت اليهودية، فألهمها الله سبحانه وتعالى أن تأخذ من ماء الوضوء وتمسح على رجل البنت. وقامت السيدة نفيسة للصلاة وأثناء صلاتها كانت البنت قد شافها الله من الشلل، وعندما سمعت صوت أمها، ذهبت وتركت الباب، وإذ بالأم تعلن إسلامها بعدما حكت لها ابنتها ما جرى، وعندما علم الأب أعلن إسلامه، قال: "هذا والله الدين الصحيح وما نحن عليه من الدين قبيح"، وكان شفاء البنت سبباً في إسلام عدد كبير من الجيران اليهود. ومن الكرامات المنسوبة للسيدة نفيسة، أنه عندما توقف النيل عن الزيادة في زمنها، حضر الناس إليها وشكوا إليها ما حصل من توقف النيل، فدفعت قناعها إليهم، وقالت لهم: ألقوه فى النيل، فألقوه فيه فزاد حتى بلغ اللّه به المنافع. بين أرض مصر والبقيع حفرت السيدة نفيسة قبرها بيدها، وصارت تنزل فيه وتصلي وقرأت فيه القرآن 6 آلاف ختمة، حتى توفت في رجب عام 208 ه، وهي صائمة مثل ما تمنت دائماً، ودفنت بقبرها في درب السباع، وكان خبر وفاتها بمثابة الكارثة التي وقعت على أهل مصر، توشحت جميع البيوت بالأسود حزناً على فراقها، وسار خلفها أسراب من الناس لتشييعها إلى مثواها الأخير، وأراد زوجها أن ينقل جثمانها إلى المدينةالمنورة لدفنها بأرض البقيع، وعندما علم أهل مصر رفضوا وطالبوا والي مصر بأن يتدخل لأنهم يريدون بقائها هنا بينهم. رفض الزوج إسحاق المؤتمن بن جعفر، وأثر المصريون على طلبهم وأخذوا يجمعون مبالغ مالية كبيرة نظير أن يدفنها على أرض مصر فأبى، ما أصابهم بخيبة أمل، وفي اليوم التالي، عدل عن رأيه، وقرر تركها في مدفنها في مصر، ولما سئل عن السر الذي جعله يغير رأيه، قال بأنه رأى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، يقول له: «يا إسحق لا تعارض أهل مصر في نفيسة فإن الرحمة تنزل عليهم ببركتها». أجواء الحضرة بالسيدة نفيسة وجرت العادة منذ زمن بعيد أن يأتي يوم الأحد من كل أسبوع إلى مسجد السيدة نفيسة، محبوها من كل مكان للاستمتاع بليلة الحضرة التي يحييها أتباع الطريقة الرفاعية الصوفية، وتقام حلقات الذكر والقرآن والصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم)، الجميع يجتمع حول المقام للتبرك والدعاء، فكل من له دعوة وأمنية يذهب إلى هناك ويدعى بها، ومن تأخر سن زواجها تذهب لكي تدعي الله، من أصابه المرض يدعى أملاً في الشفاء.