نافست أصواتهن العذبة والقوية كبار مقرئي القرآن الكريم بمصر، حيث نجحن في احتلال مكانة كبيرة في الوطن العربي، وكان لهن جمهور كبير يستمع منهم إلى القرآن والإنشاد والمديح، وخصصت لهم الإذاعة الأهلية والإذاعة المصرية مساحة لإذاعة تسجيلاتهم على مدى الأسبوع، هكذا كانت مقرئات القرآن الكريم في القرن الماضي. وشيئًا فشيئًا بدأ صوتهن يختفى بعد صدور فتاوى من كبار المشايخ عقب الحرب العالمية الثانية بأن صوت المرأة عورة، فاقتصر تواجدهن على إحياء المآتم والمناسبات العامة لدى كبار رجال الدولة، وكان أجر المقرئة قريبًا من أجر مشاهير القراء آنذاك، ودون وجود أي أسباب مقنعة تم منع القارئات من التلاوة بالإذاعة.. الشيخة كريمة العدلية عاصرت السيدة كريمة العدلية الشيخ علي محمود ومنصور بدار، في بداية القرن العشرين، وكانت ترتل القرآن من خلال ميكروفون الإذاعة الأهلية في ذلك الوقت، فوصل صوتها للعالم العربي أجمع، واستمرت في ذلك أثناء الحرب العالمية الثانية ومع تمصير الإذاعة، ظلت تقدم القرآن بصوتها العذب. كانت تحيي مآتم كبار رجال الدولة وقادة الجيش، وذاع صيتها ونالت شهرة كبيرة وكانت محط أنظار وإعجاب محمد علي، والذي أمرها بإحياء ليالي شهر رمضان في اسطنبول، وكانت السيد كريمة واحدة من ثلاث قارئات اشتهرن في نفس الوقت وهن السيدة منيرة عبده والسيدة نبوية. فيما ربطت قصة حب بين القارئة كريمة العدلية والمنشد والقارئ علي محمود، فكان كليهما ينصت إلى تلاوة الآخر، فكانت تحرص على صلاة الفجر بمسجد الحسين، حيث يرفع الشيخ علي محمود الأذان، وكان هو أيضًا يتابعها في كل مكان تذهب إليه لينصت إلى مدائحها وتلاوتها العذبة، وكللت هذه القصة بزواجهما. ويحكي التاريخ أن الإذاعة في إحدى المرات قدمت الشيخة كريمة العدلية مرتين في يوم واحد، الأولى كقارئة للقرآن في السابعة صباحًا، والثانية كمطربة في العاشرة وأربعين دقيقة مساء، وفقًا للعدد الخامس والخمسين لمجلة «الراديو المصري» الصادرة في أبريل 1936. الشيخة منيرة عبده ففي كتاب «ألحان السماء» يقول الكاتب محمود السعدني «إنها قرأت لأول مرة في عام 1920 وهي في الثامنة عشرة من عمرها، وكان ظهورها عبر الإذاعات الأهلية بمثابة ضجة كبيرة في الوطن العربي، ولم يمض وقت طويل ونالت المقرئة منيرة عبده شهرة كبير بين المشايخ وكبار رجال الدولة، وكانت الإذاعات الأهلية تتصارع للتعاقد معها، والأثرياء يقدمون لها العروض لكي تحيي ليالي رمضان. وعرض عليها أحد الأثرياء التونسيين أن تسافر معه وتحيي ليالي رمضان في قصره بصفاقس مقابل ألف جنيه، وذلك عام 1925، ولكن رفضت وظلت في القاهرة لتلاوة القرآن، ومع إطلاق الإذاعة المصرية عام 1934، كانت إحدى القارئات التي رتلوا القرآن مقابل 5 جنيهات. يقول محمود السعدني: «قبل الحرب العالمية بقليل أفتى بعض المشايخ الكبار بأن صوت المرأة عورة، وهكذا اختفت الشيخة منيرة من الإذاعة، وتوقفت إذاعة لندن واذاعة باريس عن إذاعة اسطواناتها خوفًا من غضب المشايخ الكبار»، لتختفي الشيخة منيرة نهاية الثلاثينيات القرن الماضي. الشيخة أم محمد وفقًا للكاتب محمود السعدني فإن الشيخة أم محمد ظهرت في عصر محمد علي، وكانت تحيي ليالي رمضان في حرملك، والي مصر آنذاك، بالإضافة إلى إحياء المآتم في بيوت كبار رجال الدولة، حصلت على العديد من الهدايا والجوائز من محمد علي، والذي أمر بسفرها إلى اسطنبول لتحيي شهر رمضان في حرملك السلطانة، وماتت قبل هزيمة محمد علي، ودفنت في مقبرة خصصت لها في مقابر الإمام الشافعي، وسط جنازة رسمية وشعبية. الشيخة خوجة إسماعيل جاءت بعد ذلك الشيخة خوجة إسماعيل وأسندت إليها الإذاعة جميع التلاوات النسائية في شهر مايو 1936، كانت تقدم ثلاث تلاوات في أسبوع واحد، والغريب في الأمر أن الإذاعة كانت تحجب الأصوات النسائية في شهر رمضان، ولكن لا مانع منه في باقي العام. فيما كانت الإذاعة أيضًا تقدم أغنية للشيخة كريمة العدلية سواء كانت موالًا أو قصيدة أو طقطقة، بجانب تلاوة قرآنية لها في اليوم ذاته، وبالإضافة إلى تلاوات الشيخة منيرة عبده، واستمرت الإذاعة في تقديم تلاوات للثلاثي بشكل منتظم ، منيره عبده وكريمه العدلية وأم محمد، واختفت الشيخة خوجة إسماعيل من الإذاعة ثم انخفض معدل تقديم التلاوات إلى تلاوة واحدة كل أسبوع، واستمرت تلاوة القرآن حتى عام 1973 بوفاة آخر سيدة ترتل القرآن الشيخة نبوية النحاس. وكانت السيدة نبوية النحاس تتمتع بصوت قوي ورنان ترتل به القرآن الكريم في الاحتفالات العامة والمناسبات الدينية والمآتم والأفراح، وخاصة بمسجد الحسين بالمصلى الخاص بالسيدات، وتعد السيدة سكينة حسن أول قارئة تسجل آيات قرآنية بصوتها على اسطوانات في مطلع القرن العشرين.