بعدما حكم مصر الرئيس الأسبق حسنى مبارك أكثر من ثلاثين عاما، توالى على الحكم خلال السنوات الخمس الماضية 4 رؤساء، كل منهم له انتماؤه وتوجهه الخاص، مما انعكس سلبا أو إيجابا على الشارع المصرى في رمضان. أفتى كثيرون ضمن ما أفتوا في «فقه المحرمات» بأن: «صوت المرأة عورة»، فجاءهم وفاجأهم السؤال من المتخذين آية: «أفلا يتفكرون» منهجًا وشريعة: «هل هناك آية واحدة تقر ذلك؟»، «هل أقر الرسول فتواكم بفعل أو قول أو تقرير؟»، وزادوهم من البيت شعرًا: «افتونا في أمر امرأة تقرأ القرآن، هل يكون ما تشدو به من لحن سماوى عورة ومنكر ورجس من عمل الشيطان يستدعى تنفيذ الأمر الربانى فاجتنبوه؟». قبل سنوات من ظهور أصحاب «فتاوى التحريم» كانت هناك فضليات يقرأن القرآن وينافسن الرعيل الأول من «عظماء التلاوة» الذين ما واجهوا ظهورهن بالتحريم ولا المنع ولا التهديد ب«الويل وعذاب عظيم». دليل الإثبات أو النفى لأى قول دائمًا ما تكتبه «سطور التاريخ» التي عرضت قصصا كثيرة حول سير «تاء التأنيث» في «دولة التلاوة». ثلاث سيدات سطرن حكايات «قارئات القرآن» هن: «نبوية النحاس، كريمة العدلية، منيرة عبده»، ذلك بترتيلهن آيات الذكر الحكيم في الاحتفالات العامة والمناسبات الدينية وفى المآتم والأفراح، وكسرهن حاجز «اقتصار قراءة القرآن على الرجال» بعد أن خُصص للسيدات قسم خاص للاستماع إليهن بمسجد «سيدنا الحسين». أولى «مقرئات القرآن» وأكثرهن شهرة كانت «السيدة كريمة العدلية» التي شذت بآيات الذكر الحكيم عبر ميكرفون «الإذاعات الأهلية» حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية، تلك الفترة التي تربع فيها على عرش «دولة التلاوة» الشيخ على محمود، الذي جمعته بها «قصة عشق قرآنية»، هي تعشق صوته «الإعجازى» وطريقة أدائه وتذهب يوميًا لصلاة الفجر بمسجد الحسين - في المكان المخصص للسيدات - لسماع أذانه وتلاوته للقرآن، وهو يستمع إليها بل ويفضلها على بعض المقرئين الرجال. قبلها بعدة سنوات، وتحديدًا في عهد محمد على باشا، ظهرت القارئة «أم محمد»، التي اختارها «الوالى» لتقرأ القرآن يوميًا طوال شهر رمضان داخل «الحرملك»، بجانب إحيائها المآتم لدى منازل قادة الجيش وكبار رجال الدولة، ودفع صوتها المميز «محمد على» لأمر خاصته وحاشيته بتدبير نفقات سفرها إلى «إسطنبول» لترتيل آيات الذكر الحكيم داخل «حرملك السلطنة»، بجانب تخصيصه مقبرة ملكية لدفنها بمقابر «الإمام الشافعى» بعد وفاتها. عام 1920 ظهرت الشيخة «منيرة عبده».. فتاة «نحيفة» لم تتجاوز 18 عامًا من عمرها، أخذ الله بصرها وأعطاها «صوتا ملائكيًا»، ترتل القرآن عبر أثير «الإذاعات الأهلية»، كان لصوتها الأخاذ عامل كبير في ذيوع شهرتها الواسعة ليس في مصر فحسب بل في مختلف الدول العربية، ليعرض عليها ثرى تونسى إحياء ليالى رمضان القرآنية في قصره بأجر ألف جنيه، بما يساوى مئات الألوف في عصرنا الحالى، ولم تستطع مع - إعاقتها البصرية - السفر، ليحضر هذا الثرى التونسى خصيصًا إلى القاهرة للاستماع إليها. عند إنشاء الإذاعة المصرية الرسمية بالقاهرة التحقت «الشيخة منيرة» بها لترتيل القرآن عبر أثيرها مقابل أجر بلغ 5 جنيهات - نصف ما كان يتقاضاه الشيخ محمد رفعت - والتقط مسئولو إذاعتى «باريس ولندن» صوتها «الندى» فقرروا تسجيل عدة أسطوانات لها، وهو ما تم بالفعل، إلا أن فتوى «صوت المرأة عورة» التي أطلقها شيوخ كبار في تلك الفترة دفعت الإذاعتين، ومن قبلهما الإذاعة المصرية، لوقف إذاعة تسجيلاتها. يشير الكاتب محمود السعدنى في رائعته «ألحان السماء» إلى عادة مهمة ساهمت في وجود قارئات عظيمات للقرآن في مختلف أحياء ومدن وقرى مصر، فيقول: «كانت المآتم قديمًا تقام 6 أيام متتالية، 3 منها لعزاء الرجال و3 للسيدات، ما تطلب وجود سيدات يقرأن القرآن». وإلى جانب المآتم اتجهت عدد من «النائحات والمعددات» إلى قراءة القرآن، ومنهن: «الحاجة دربالة بالجيزة، والست خضرة بالمنوفية، والست عزيزة بالإسكندرية، والست رتيبة بالمنصورة، والشيخة أم زغلول في السويس». كما اشتهرت الشيخة «سكينة حسن»، التي سجلت في بداية حياتها القرآن الكريم على أسطوانات، إلا أن إصدار فتوى بتحريم تلك التسجيلات، دفعت «الشيخة سكينة» إلى ترك مجال التلاوة إلى الغناء والطرب لتسجل مجموعة ممتازة من القصائد التقليدية بالأسلوب المتعارف عليه قديمًا «الطقاطيق» ويتغير لقبها من «الشيخة» إلى «المطربة». ووفقًا لكتاب «فهرس الموسيقى والغناء العربى القديم» وجدت بعض الأسطوانات لها تتضمن أدوارًا ومواويل وغناء شعبيا. وهناك أيضًا الشيخة «أنوار منصور»، والتي يمتلئ موقع «يوتيوب» بعدد من التسجيلات النقية لتلاوتها، بجانب إذاعة بعضها بقناة «الفجر الفضائية». وقرأت «الشيخة أنوار» القرآن الكريم على العامة في مأتم «حافظ بك بدوى» رئيس مجلس الشعب في عهد الرئيس الراحل أنور السادات. بداية «الشيخة أنوار» كانت بمسقط رأسها في مدينة «بيلا» بكفر الشيخ، إذ ولدت هناك عام 1935، والتحقت بالمعهد الأزهرى، وأخذت الابتدائية ثم الإعدادية واكتفت بها ولم تكمل دراستها بسبب ظروف زواجها. حفظت القرآن في سن 7 سنوات وختمته في سن 13 سنة على يد الشيخ يوسف شتا. وورثت «الشيخة أنوار» صوتها «الندى» من والدتها التي كانت «مداحة في حب رسول الله». أما «كوكب الشرق» أم كلثوم فاشتهرت أيضًا بتلاوتها للقرآن الكريم، وهو ما ظهر في أحد مشاهدها بفيلم «سَلامة»، الذي رتلت خلاله ما تيسر من سورة «إبراهيم»، وسبق ذلك إحياؤها لعدة «ليال قرآنية وتواشيح» في مسقط رأسها «طماى الزهايرة» برفقة شقيقها «خالد» ووالدها إبراهيم البلتاجى. يقول الكاتب الراحل سعد سامى رمضان في كتابه «أم كلثوم.. صوت في تاريخ الأمة» إن مقربين منها قالوا إنها سجلت القرآن الكريم كاملًا بصوتها وأوصت بإذاعته بعد وفاتها بعشرين عامًا، إلا أن عدم خروج تلك «التسجيلات» حتى الآن يزيد من حقيقة كون تلك الواقعة «شائعة لا أساس لها من الصحة». ورغم عدم ظهور «تسجيلات القرآن» بصوت «كوكب الشرق» حتى الآن، ما عدا مشهد فيلم «سَلامة»، إلا أن قراءتها للقرآن على العامة في بداية حياتها أمر لا يحتاج إلى شك أو تأويل، وهو ما يثبته عبارتها التي طالما رددتها في أحاديثها الإعلامية: «أول أستاذ لى كان القرآن الكريم، حفظته وتعلّمت منه شيئًا أعتز به دومًا ألا وهو مخرج الحروف السليم». وإلى جانب «أم كلثوم» ظهرت أيضًا الفنانة الكبيرة «وردة» ترتل ما تيسر من سورة «آل عمران» في فيلم «ألمظ وعبده الحمولى» فتشدو بصوتها الرقيق: «لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق * ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد» مع حفاظ تام هي الأخرى على أحكام التلاوة والتجويد.