حالة من الغضب تسيطر على أهالي قرية "تونس" بمحافظة الفيوم، بعدما أزالت قوات الشرطة مبان مقامة على قطعتي أرض، بالإضافة إلى هدم إحدى الورش بالقرية، ضمن حملة الحكومة لاسترداد أراضي الدولة. قرية تونس تعد نموذجا مغايرا تماما للقرى المصرية الشهيرة بالفقر والجهل والمرض، بل سطرت اسمها كقرية عالمية اشتهرت بإنتاج الفخار والخزف، بدأت منذ قرابة 35 عاما، وأصبحت تصدر إنتاجها لكل دول العالم، وتعتبر القرية الوحيدة الخالية من البطالة، وأحزن الأهالي رد الحكومة على مجهوداتهم الذاتية بمعاول الهدم، مؤكدين أنهم ليسوا بلطجية، بل طالبوا منذ سنوات بتقنين أوضاعهم، دون جدوى. محمود الشريف، صاحب ورشة فخار وصناعات الخزفية ورئيس مجلس إدارة جمعية الخزافين بتونس: "لسنا بلطجية أو معتدين على الأراضي، نحن نمتلك كل الأوراق القانونية التي تثبت التزامنا السنوي بإيجار الأراضي وضع اليد بنظام الربط 300 جنيه سنويا، وهو نظام قانوني معترف به من الدولة، كما طالبنا مرارا بتقنين أوضاعنا وتمليكنا الأرض، لكن فوجئنا بالعكس يحدث، وتم هدم إحدى الورش واسترداد قطعة أرض كان مقرر إنشاء عدة ورش عليها". وأضاف الشريف ل"البديل": "فوجئنا أيضا برغبة المحافظة في هدم عدة ورش من أجل إنشاء نقطة شرطة بالقرية، بما لا يتناسب مع طبيعة القرية العامرة بالسياح والأمان"، معربا عن حزنه من رد فعل الدولة تجاه قرية نموذجية تعتبر الأشهر في صناعة الفخار والخزف بالعالم، مؤكدا أن القرية أزاحت من على كتف الحكومة عبء توفير فرصة عمل لكل شاب كان يكلفها 200 ألف جنيه، ونجح أهالي القرية في إنشاء العديد من الورش التي توفر كل منها 5 إلى 10 فرص عمل داخلها، واليوم تسعى الدولة لوقف هذه الاستثمارات وهدم الورش. وقال مجدي سيدهم، رئيس الجمعية المصرية للتنمية الشاملة وأحد أهالي القرية: "نرفض جميعا أي تعديات على الأراضي، لكن أهالي تونس وأصحاب الورش الفنية لم يستولوا على آلاف الأفدنة مثلما فعل كبار رجال الأعمال والمستثمرين لتسقيعها والحصول على أرباحها، بل حوّل الأهالي الصحارى والأحراش إلى قرية نموذجية بجهودهم الذاتية، وكل صاحب ورشة استخدم فقط أقل من ربع قيراط ليبدأ مشروعه الصغير، الذي ساهم في تحويل تونس إلى نقطة مضيئة للسياحة تجذب الأنظار من مختلف أنحاء العالم"، متابعا: "ما يحدث يعد خرابا وقطعا لأرزاق الناس". وتساءل: أين حديث الرئيس عن دعم الشباب والمشروعات الصغيرة؟ وعندما يتحرك الشباب ويقدمون نموذجا لقرية حضارية، يتم مواجهتهم بالهدم بدلا من تقنين الأوضاع الذين طالبوا به منذ سنوات، مضيفا: "لو الأرض لها حرمه كما تقول الحكومة، فالمواطن له كرامة أيضا، وقرار الرئيس باسترداد الأراضي ليس معناه ظلم الناس كما يترجمه المسؤولون في المحليات، وكان ينبغي تكييف التوجيهات العامة على أوضاع كل محافظة، بل يجب عليهم دعم تجربة "تونس" وتشجيعها وليس إفشالها، وهدم ورش الفخار والخزف"، مستطردا: "تونس نجحت باستثمارات ذاتية صغيرة أن تصبح بقعة سياحية جديدة على الخريطة سواء داخليا أو خارجيا، وجذبت لها السياح في الوقت الذي تعثرت قرى شرم الشيخ والغردقة في استقطاب سائح واحد". وأوضح الدكتور محمد عبلة، الفنان التشكيلي وصاحب متحف الكاريكاتير بتونس: "سافرت إلى القرية منذ أكثر 35 عاما، وكانت مجرد صحراء، ونجحنا مع أهالي القرية في تحويلها إلى مزار سياحي وفني لصناعة الفخار والحرف اليدوية، ولم تقدم الدولة أي خدمات لنا طوال كل هذه السنوات، وفوجئنا حاليا بمطالبتها باسترداد الأرض واتهام الأهالي بالاستيلاء عليها"، وتساءل: كيف تم اكتشاف الاستيلاء الآن، في حين كانت تحصل الحكومة من 20 ورشة ضرائبها ولها سجل تجاري وتلتزم بسداد فواتير المياه والكهرباء منذ عشرات السنوات؟ مؤكدا أن الأهالي طالبوا كثيرا بتقنين أوضاعهم وتمليكهم للأرض استنادا على كل الأوراق القانونية التي بحوزتهم، سواء فيما يتعلق بالضرائب أو فواتير المياه وغيرها، لكن الحكومة كانت تتباطأ في التنفيذ. "هل هذا رد الجميل من الحكومة لأهالي تونس، بعد سنوات من التعمير والبناء، تدمر جهود 40 عاما، لنموذج غير وجه القرية المصرية في العالم، ولتصبح أول قرية خالية من البطالة، ونجحت فيما فشلت في الحكومات المتعاقبة، في جذب السياحة بمجهود ذاتي بسيط، بل أصبحت قطعة أوروبية على أرض مصرية".. هكذا قال كريم السيد، منسق مهرجان قرية تونس للخزف والصناعات اليدوية، الذي طالب بسرعة حل الأزمة لتعود القرية إلى كامل نشاطها؛ للحفاظ على العملة الصعبة التي تحققها القرية من خلال عملية التصدير لمنتجاتها بما تتجاوز 100 ألف دولار سنويا. على الجانب الآخر، قال جمال سلامة، محافظ الفيوم، إن المحافظة تنفذ قرارات إزالة لما يزيد على 206 حالة بالزراعة، و312 بالبناء على أراضي أملاك الدولة؛ منها 79 حالة بمركز يوسف الصديق، التابع له قرية تونس، مؤكدا أن حملات الإزالة مستمرة، ولن تتوقف أبدا بناء على تكليفات الرئيس.