السيد رشاد ما إن تضع قدمك على أرض «تونس» أيقونة الفيوم ومصر كلها، تشعر على الفور بحالة من العشق، لهذه القرية الفريدة، ربما أسهم فيها عناق الخضرة الساحرة والماء الفيروزى البديع معا، والذى لا يملأ فقط عينيك بجمال شاهق، لكنه يملأ أيضا فراغات روحك، فتحلق مع حدائق تونس الغناء التى تحفها غابات النخيل، وتحيطها بحنان بالغ بحيرة قارون، حيث تقع القرية على ربوة عالية تجعلك تشهد هذا المنظر الرائع من كل الاتجاهات، والذى يزداد سحرا بمنازل وفنادق ومنتجعات تونس التى بنيت بالكامل على طراز العمارة الشعبية التى أبدعها العبقرى حسن فتحى، فمنح القرية هذه الخصوصية المتفردة، وجعلها متحفا معماريا مفتوحا، يرفض أى تشويه خرسانى، ويجذب السائحين من كل أنحاء العالم، والعجيب أن معظمهم يستقر فى جنة تونس، أو على الأقل يزورها سنويا فى أكثر من حدث، أبرزها مهرجان تونس للفخار والخزف والمشغولات الحرفية الذى تقيمه «سويسرا الشرق» سنويا، حيث يحضر الأجانب ويغيب المصريون زوارا ومسئولين. عن المهرجان يقول الفنان محمود الشريف ، أمين عام المهرجان: إن فكرة المهرجان تقوم على استغلال شهرة تونس السياحية التى يلقبها الأجانب بسويسرا الشرق، فى عمل حالة فنية تراثية تقدم للزوار الوجه الحضارى المصرى، حيث تعرض مشغولات وإبداعات فنانى الحرف والفنون التراثية، فى فنون الخزف والفخار والمشغولات النحاسية والزجاجية ومشغولات النخيل سواء فى قرية تونس أم قرى الفيوم المجاورة، وذلك بعرضها فى شوارع وحوارى القرية كلها عرضا حيا، حيث يمارس الفنان إبداعه أمام الزوار منذ مرحلة إعداد الخامة حتى المنتج النهائى فى الطرقات العامة واخترنا نحن شباب القرية أن يقام المهرجان سنويا فى أواخر نوفمبر، ليكون افتتاحا مميزا للموسم الشتوى الذى يزداد فيه الإقبال السياحى على تونسوالفيوم عموما. الأقدم والأكبر يضيف محمود الشريف: المهرجان يقام بالجهود الذاتية تماما لشباب القرية، ومعهم شباب خمسين قرية أخرى تشارك فيه هذا العام منها: العجميين وشكشوك والأعلام والكعابى وغيرها، حيث تشتهر كل قرية بحرفة معينة تختلف عن الأخرى، ويشير إلى أن المهرجان هذا العام يعرض أكبر فخارة فى العالم حجمها متران ونصف المتر، كما يعرض أيضا أقدم فخارة فى العالم وهى المسماه ب «البكلة» والتى تم صنعها قبل اختراع دولاب الفخار، وذلك منذ عهود سحيقة، وذلك بعمل حفرة فى الأرض لصنع «البكلة». عالمية ويشير الفنان أحمد أبوزيد، رئيس المهرجان، إلى أن هذا الحدث كان البداية التى انطلقت منها «تونس« إلى العالمية، هذه الانطلاقة التى بدأت مع تأسيس مدرسة الفخار على يد الفنانة السويسرية إيفيلين بوريه، التى جاءت لزيارة القرية منذ 45 عاما ولم تغادرها حتى الآن، حيث قررت الاستقرار بها، وتأسيس مدرسة كبيرة لتعليم فنون الخزف والفخار لأطفال القرية، والذين أصبحوا فنانين كبارا، بعضهم يحظى بشهرة عالمية الآن. تجاهل يواصل رئيس المهرجان بأسى، على الرغم من التقدير العالمى لقرية تونس وما تقوم به من دور عظيم فى تنشيط السياحة المصرية كلها، فإن المسئولين فى وزارة السياحة يتجاهلون وضعها على خريطة السياحة المصرية حتى الآن. ويطالب المسئولون وفى مقدمتهم د. حازم عبدالله محافظ الفيوم ود. جابر عصفور وزير الثقافة، وهشام زعزوع وزير السياحة، بوضع المهرجان فى دائرة اهتمامهم، وتطوير فاعلياته، والاستفادة من الزخم الثقافى والسياحى الهائل الذى يحققه. الإبداع الحر يوضح إبراهيم سمير، مدير مدرسة الفخار وعضو اللجنة المنظمة، أن أروع ما فى المهرجان هو الإبداع الحر، فلا شىء يفرض على الفنان الحرفى، ومنذ افتتاح مدرسة الفخار قبل 45 عاما وهى تخرج أجيالا متعددة من فنانى الحرف الموهوبين الذين تتيح لهم المدرسة دراسة الأساسيات، فيما تترك لهم المجال واسعا للتجريب الفنى، والتنافس بينهم فى الابتكار والإتقان والرؤى الجمالية والوظيفية. مقصد سياحى ويلفت عيد جلال عضو لجنة التنظيم النظر إلى أن مهرجان الخزف والفخار يتضمن عشرات الأنشطة الأخرى منها عروض الخيل ومراقبة الطيور البرية وتقديم أفلام تسجيلية عن العمارة الشعبية وحسن فتحى، وعروض عرائس من خلال مسرح الشارع ، إضافة إلى تنظيم رحلات سفارى لزيارة وادى الريان وبحيرة قارون والمتاحف الموجودة فى الفيوم ومنها متحف الكاريكاتير. ويبدى عيد جلال اندهاشه من حضور الأجانب بكثافة وغياب المصريين مسئولين وزوارا، مطالبا الدولة بمزيد من الاهتمام والرعاية ليصبح المهرجان خطوة جادة على طريق تحويل «تونس» إلى أحد أهم المقاصد السياحية ليس فى مصر وحدها بل فى العالم كله. نجاحات تؤكد راوية عبدالقادر، فنانة الخزف، أن المهرجان يحقق نجاحات هائلة عاما بعد آخر، خصوصا أن مشغولاته صديقة للبيئة وهو يخطو نحو عامه السادس هذا الموسم بثبات وثقة، برغم تجاهل المسئولين له وعلى رأسهم محافظ الفيوم. ملتقى عالمى أمام الفنان محمد عبلة، مؤسس متحف الكاريكاتير وأحد رعاة المهرجان فيقول: متحف الكاريكاتير يقدم من خلال المهرجان عدة فاعليات منها مسابقة تصوير عالمية ومسابقة فوتوغرافيا عن الفيوم، والأكاديمية الشتوية التى تنطلق سنويا كل 25 يناير، فضلا عن أن متحف الكاريكاتير نفسه من أهم مكونات ومزارات المهرجان، وهو أول متحف متخصص فى الكاريكاتير على مستوى الشرق الأوسط، ويضم أعمالا قيمة جدا لابد من تسليط الضوء عليها، من خلال المهرجان، فضلا عن أن متحف الكاريكاتير أشبه بملتقى لفنانى العالم، يهيئ الفرصة لتبادل الأفكار والآراء والخامات والتيمات الفنية وغيرها سنويا. ويحلم فنان الخزف عبدالستار عبدالسميع بأن يصبح المهرجان دوليا، أسوة بسمبوزيوم أسوان، وبينالى القاهرة الدولى، فهو لا يقل أهمية عنهما إن لم يكن أكثر، داعيا الدولة إلى أن تقوم بتنظيم المهرجان أو على الأقل تشارك فى ذلك. عمل جماعى من جانبها تنفى ميرى بشرى، مدير هيئة تنشيط السياحة بمحافظة الفيوم، أى تجاهل للمهرجان، مؤكدة أن الهيئة تسعى إلى دعم قرية تونس من خلال تقديم برامج سياحية بأسعار مخفضة لتشجيع السياحة الداخلية. وتشير ميرى إلى أن مهرجان تونس هو نموذج للعمل الجماعى الناجح الذى نتمنى تكراره فى كل أنحاء مصر، خصوصا فى هذه الآونة الفارقة من عمر الوطن. عموما لقد فعل أهالى قرية تونس ما عليهم على أمل أن يفعل المسئولون فى المحافظة والثقافة والسياحة بعض ما عليهم