لم يخطئ المتحدث السابق باسم القوات المسلحة العميد "محمد سمير" كثيرا عندما كتب يوم الأربعاء 17 مايو في جريدة "اليوم السابع" عن الارتفاع المخيف في عدد من وصفهم ب"الرعاع" من الناس، فلقد وضع أيادينا؛ دون قصد منه؛ على كيف ينظر الحكام للرعية. فالضابط الذي أضاف أن الرعاع طبقا لتعريف القاموس هم مجموعة من "الغوغاء والسفلة"، زاد بأن هؤلاء لا يجب التعامل معهم إلا بالتجاهل الكامل كأنهم "كلاب" تعوي والقافلة تسير. المتحدث العسكري سابقا ورئيس أحدث وأكبر القنوات الفضائية ميزانية وإنفاقا، ورئيس مجلس إدارة إحدى الصحف اليومية حاليا، لم يخطئ لأنه تحدث هذه المرة بلسان عدد غير قليل من المسئولين الذين يتعاملون مع الشعب كمجرد "كلاب" تنبح ليس أكثر!!. لقد صرح بلا مواربة عما هو مسكوت عنه قولا، لكنه فعلا واقعا دوما، ولذا لا عجب إن لم يستمع هؤلاء المسئولين لصوت الشعب ولانتقاداتهم، وإن لم يستجيبوا لرغباتهم أو ينزلوا على إرادتهم، لا في الأمور البسيطة ولا في القضايا المصيرية. فبالأمس البعيد ذهب الرئيس "أنور السادات" يعقد صلحا منفردا مع الصهاينة دون العودة للشعب الذي حارب ودفع المال والدماء، وظل الصلح باردا رغم مرور قرابة 40 عاما، بل لا يزال التطبيع مع إسرائيل جريمة لدى المجتمع والشارع. واليوم اجتمع رؤساء الدول العربية والإسلامية في "قمة الرياض" مع الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، وتم فيها إعادة تعريف "العدو" و "الصديق" للأمة بأكملها طبقا لرؤية الحكام لا رأي المحكومين. ففيها تم إسقاط العداء مع "إسرائيل" التي تحتل الأراضي العربية، واستبدالها بالجارة الإقليمية شريكة الدين والتاريخ "إيران"؛ مهما يكن حجم الخلاف والاختلاف معها؛ دون العودة للشعوب أو أخذ رأيها، كما تم تسليم القرار السياسي والاستراتيجي وكل اللعبة لأمريكا رسميا وعلنا؛ بعد أن كان الحديث عن امتلاكها ل99 بالمائة من أوراق لعبة السلام بالمنطقة؛ دون استطلاع رأي الشعب. حتى الأموال العربية وبدلا من استخدامها لبناء ورفعة ورفاهية العرب، تم استخدمها في تكديس ترسانة أسلحة يتم توجيهها ضد الأمة، دون نية أو سبيل لتوجيهها ضد أعدائها يوما ما، ودون النظر لأولويات الشعوب ولا لاحتياجاتهم. إنها نفس فلسفة وسياسة "حكم الرعاع"، التي تدفع الحكام للتعامل مع أصوات المعارضة؛ مهما ارتفعت؛ على أنها مجرد "نباح" لا يؤثر على سير القافلة السياسية، ولا على تمرير إرادة الحاكم العليا، لكن الجدير بالتوقف والتساؤل أن يحدث ذلك الآن. فكأن الزمان يسير للخلف، وكأن الليلة هي البارحة، وكنت أظن على خطئ أنها سياسة الأمس الذي ذهب ولن يعد، خاصة بعد ثورات صنعها ودفع ولا يزال يدفع ثمنها وثمن خطاياها وخطايا الحكومات المتتالية هذا الشعب العريق الصابر رغم كل ما به من تراجع قيمي وثقافي، وما يواجهه من مشكلات اجتماعية واقتصادية مدمرة. فكيف لم ترق هذه الشعوب عند حكام المنطقة إلى مستوى البشر؟!، وكيف لا تزال غير جديرة وغير مؤهلة للديمقراطية أو الاختيار الحر بعد، كيف تبقى الشعوب مفعولا بها وليس فاعلا حتى حينه؟!. سؤال أخشى أن تأتي الإجابة عليه بسقوط أو تحلل مزيد من الدول العربية التي تبدو متماسكة لكنها تركن إلى برميل يغلي، لا ينتظر إلا لحظة الانفجار.