اتخذ الرئيس الصيني، شي جينبينغ، خطوة جديدة على طريق ربط ثلاث قارات "آسيا وأوروبا وإفريقيا"، خلال مبادرة "حزام واحد – طريق واحد"، التي تهدف إلى إعادة إحياء مشروع طريق الحرير القديم، الذي سطر العصر الذهبي للصين منذ أكثر من ألف عام مضى؛ حيث افتتح اليوم الأحد، في بكين قمة دولية جديدة حول "طرق الحرير الجديدة"، شارك فيها قادة 29 بلدًا، على رأسهم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، اللذان جلسا إلى يمين ويسار الرئيس الصيني، إضافة إلى رئيسا الحكومة الإسباني، ماريانو راخوي، والمجري، فيكتور أوربان، والإيطالي، باولو جنتيلوني، واليوناني، ألكسيس تسيبراس. تطمح القمة الجديدة إلى تعزيز علاقات بكين التجارية مع أوراسيا وإفريقيا، وتهدف إلى إحياء طرق الحرير القديمة التي كانت تستخدم لنقل منتجات إمبراطورية الوسط إلى أوروبا والعكس عبر آسيا الوسطى على ظهور الجمال، وخلال القمة تمت مناقشة مجموعة من الاستثمارات في مشاريع للسكك الحديد والطرق السريعة والمرافق والطاقة، وحضر مئات الصحفيين الصينيين والأجانب إلى مركز المؤتمرات في بكين. "طريق الحرير الجديد" يعبر عن استراتيجية رئيس ثاني أكبر اقتصاد عالمي، الذي طالما دافع عن التبادل الحر والعولمة، بينما يروج الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لمبدأ "أمريكا أولًا" ويسعى على ما يبدو إلى تطبيق سياسة الحماية، ويشكك في مبادرات التجارة الحرة العالمية الحالية مثل اتفاقية "نافتا". وقال الرئيس الصيني، إن العزلة تؤدي إلى التخلف، والانفتاح مثل معركة اليرقانة التي تخرج من شرنقتها، وهذا يترافق مع الألم، لكن هذا الألم يعطي حياة جديدة، واستحضر البحار الصيني الشهير، تشانج خه، من عصر أسرة "هان" الذي قاد أسطوله البحري عبر المحيط الهندي في القرن الخامس عشر الميلادي، أيضا البحارة العربي ابن بطوطة، والإيطالي، ماركو بولو، اللذين سلكا الطرق التجارية القديمة، مضيفا: "روح طريق الحرير أصبحت تراثًا كبيرًا للحضارة الإنسانية.. واستمرار مبادرة طرق الحرير الجديدة يتطلب بيئة سلمية ومستقرة". طبيعة المبادرة "حزام واحد – طريق واحد".. مبادرة طموحة أطلقها الرئيس الصيني، شي جينبينغ، عام 2013، تهدف لتطوير وإنشاء طرق تجارية وممرات اقتصادية تربط أكثر من 60 بلدًا بتكلفة تبلغ 47 مليار دولار، ويشير "الحزام الواحد" إلى مكان يعرف تاريخيًا بطريق الحرير القديم؛ عبارة عن شبكة طرق تجارية تمر عبر جنوب آسيا، لتربط الصين بدول جنوب وشرق آسيا، والشرق الأوسط وصولًا إلى تركيا، كما يشير المبادرة إلى الطريق البحري المستلهم من رحلة بحرية للرحالة تشانج خه، الذي أبحر بأسطول من السفن إلى إفريقيا في القرن الخامس عشر، ويعد رمزًا لأصالة القوة البحرية الصينية، وفي المجمل فإن طريق الحرير يبدأ من الصين ويمر عبر تركستان وخراسان وكردستان وسوريا، إلى مصر ودول شمال إفريقيا، مرورًا بأوروبا. تهدف بكين من خلال المبادرة إلى توثيق الروابط التجارية والاقتصادية بين آسيا وأوروبا وإفريقيا، وتتضمن تشييد شبكات من السكك الحديدية وأنابيب نفط وغاز وخطوط طاقة كهربائية وإنترنت وبنى تحتية بحرية، وفيما يتعلق بالبر، تشمل المبادرة بناء ممر جديد يصل آسيا بأوروبا، ويترافق مع تطوير ممرات اقتصادية تربط الدول الآسيوية بأوروبا. ومن الممرات البرية المقترحة، ممر الشمال، من الصين إلى آسيا الوسطى، ثم إلى روسيا فأوروبا، وصولًا إلى بحر البلطيق، وممر بري آخر من الصين إلى الخليج العربي والبحر المتوسط، عبر وسط وغرب آسيا، وممر ثالث من الصين إلى جنوب وشرق آسيا، ومن ثم جنوب آسيا، وصولًا إلى المحيط الهندي، مما يعزز اتصال الصين بالقارة الأوروبية والإفريقية، أما البحر، فإن المبادرة تركز على بناء روابط بين الموانئ الرئيسية، ومن الممرات البحرية المقترحة الذي يربط الموانئ الصينية بالمحيط الهادئ عبر بحر الصينالجنوبي، وآخر يربط الموانئ الصينية بأوروبا. الصين التي طالما روجت للمبادرة الضخمة تكرس لها مبالغ مالية طائلة، حيث تخصص بكين نحو 124 مليار دولار لخطة طريق الحرير الجديد، وتعهد الرئيس الصيني بتمويل ضخم للمشروع تصل ل100 مليار يوان، إضافية لصندوق طريق الحرير القائم، و380 مليار يوان قروضًا من بنكين كبيرين، و60 مليار يوان مساعدات للدول النامية والمؤسسات الدولية في دول طريق الحرير الجديد، وإلى جانب ذلك سيشجع الرئيس الصيني المؤسسات المالية على التوسع بأنشطة التمويل باليوان في الخارج بما يصل إلى 300 مليار يوان. ورغم أن المبادرة جديدة بعض الشيء، إلا أن الطريق نفسه يعود في الأصل إلى عام 3000 قبل الميلاد؛ حيث كان عبارة عن مجموعة من الطرق المترابطة تسلكها السفن والقوافل بهدف التجارة، وفي عام 1877، أطلق العالم الجغرافي الألماني، فريديناند فون ريتشتهوفن، اسم "طريق الحرير" على طريق المواصلات لتجارة الحرير بشكل رئيسي فيما بين الصين والجزء الجنوبي والغربي لآسيا الوسطى والهند. الصين تعزز نفوذها تأتي المبادرة الصينية في الوقت الذي تتكالب فيه دول العالم الكبرى على تعزيز نفوذها وسياساتها على الدول الأخرى، خاصة دول الشرق الأوسط؛ باستخدام قوة السلاح والاحتلال والتدخلات العسكرية والسياسية، لكن يبدو أن قيادة بكين اختارت أن تسلك طريقا مختلفا، فأخذت على عاتقها محاولة تعزيز طموحاتها في قيادة العالم من خلال الناحية الاقتصادية، حيث تسعى الصين التي تعتبر ثاني أكبر اقتصاد عالمي إلى تعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي في دول الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا من خلال طرق الحرير الجديدة، وهو ما أكدته تصريحات الرئيس الصيني، التي قال فيها إن "الصين وقعت أكثر من 40 اتفاقية تعاون مع مختلف الدول على طول الحزام والطريق، وفى طريقها للمزيد"، الأمر الذي يمكن أن يثير قلق الدول المُعادية للسياسة التوسعية التي تتبعها بكين، وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية.