مضى أكثر من عشر سنوات على وجود اضطرابات سياسية كبيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومع ذلك تعتمد الصين على سياستها التقليدية المتعلقة بعدم التدخل في المنطقة، والتي تقوم على أساس "المبادئ الخمسة للتعايش السلمي" التي وضعت خلال فترة ماو، إلا أن قيادة الحزب الشيوعي الصيني تبنت مؤخرًا وبشكل تدريجي سياسة أكثر تطلعية تجاه الشرق الأوسط، مما يجعل دور الصين ناشئًا ومسؤولًا، وسط وجود مصالح كثيرة لبكين في الشرق الأوسط. هناك على الأقل أربعة أسباب لتبنِّي الصين سياسة استباقية في الشرق الأوسط، فليس هناك شك في أن المنطقة ككل مهمة بالنسبة للصين؛ بسبب موارد الطاقة الوافرة والموقع الجغرافي الاستراتيجي، حيث الدور الناشئ في إعادة التوازن الغربي للاقتصاد الصيني في إطار مشروع الصين الجديد "حزام واحد طريق واحد". تشمل المصالح الصينية في المنطقة خلق فرص استثمار جديدة وعقودًا لمشروعات البنية التحتية للشركات الصينية، وكذلك الحصول على حصة سوقية لمنتجاتها. ويرجع اهتمام الصين بمنطقة الشرق الأوسط أيضًا إلى تطوير العلاقات وبناء شبكة نفوذ مع القوى الإقليمية، بجانب نفوذها في آسيا والمحيط الهادئ. ومن بين الدول التي ترغب الصين في بناء علاقات معها، السعودية وإيران ومصر. الهدف الثالث لبكين الحفاظ على أمنها الداخلي من خلال منع الأيديولوجيات المتطرفة في الشرق الأوسط من التأثير على الصين. وأخيرًا يمكن القول إن الصين لها مصلحة عامة في الشرق الأوسط، كما يوجد في العديد من المناطق الأخرى، وهي في مرحلة إثبات نفسها كقوة عظمى حقيقية، كما أن هناك حصة متزايدة من أسهم الصين منذ أن بدأت في استيراد أكثر من نصف نفطها من الخليج، فضلًا عن ثلث احتياجها من الغاز الطبيعي. أنشأت شركات الطاقة الرئيسية الصينية مَراسٍ بحرية في الشرق الأوسط، تحديدًا في العراق وأبو ظبي، بجانب وجود شركات صينية عربية تعمل في مجال البتروكيماويات والغاز الطبيعي ومشاريع التكرير. الشرق الأوسط هو سوق لنمو البضائع الاستهلاكية بأسعار معقولة، والآن الصين هي أكبر مصدر له في المنطقة، حيث تستورد البحرين ومصر والسعودية وإيران من الصين أكثر من أي بلد آخر. وفي السنوات الأخيرة ازدادت الاستثمارات الصينية في المنطقة، وخاصة في الجزائر ومصر وإيران والأردن وقطر والسعودية، كما تسعى الصين للتعاون في مجالات جديدة تشمل الطاقة النووية والمتجددة وتكنولوجيا الفضاء. لا تنظر الصين إلى الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط، رغم أنها قد تؤثر مباشرة على مصالحها، خاصة مع اعتماد بكين على الخليج كمصدر للطاقة، ومع هذه الاضطرابات قد ينقطع الإمداد بشكل مفاجئ، لأن ما يثير مخاوف صانعي السياسيات الصينية حال تدخل بكين في فوضى الشرق الأوسط هو انتشار الأيدولوجيات العدوانية، واحتمالية عودة المقاتلين الأجانب إلى الصين لتنفيذ العمليات الإرهابية، فضلًا عن تعرض العمالة الصينية والمغتربين للخطر. تأخذ الصين حذرها من وقوع أي من التهديدات السابقة، حيث تقوم بتطوير الأدوات الدبلوماسية والعسكرية للرد على أي تهديدات. تعمُّق الصين وما يصاحبه من مخاطر كبيرة في الشرق الأوسط دفعَ العديد للتخمين حول ما إذا كان لدى بكين استراتيجية طويلة الأجل، وإن كانت هناك استراتيجية من هذا النوع، فإن القيادة الصينية لم تعلن عنها. ورغم الحذر الصيني يمكن للمرء أن يخمن التوجيهات الصينية تجاه المنطقة من خلال البيانات الرسمية، حيث تتبع الصين خطة "اشترِ ما تحتاجه وبِعْ ما يمكنك بيعه". ولا تتدخل في الشؤون السياسية المحلية أو شؤون الدول، والتأكيد على مبدأ الحوار والتنمية بدلًا من استخدام القوة، كحل لمشاكل الشرق الأوسط، وهذا ما يميز بكين عن باقي القوى في المنطقة. تهدف هذه الاستراتيجية الصينية في الشرق الأوسط إلى تجنب المشاركة المباشرة في الصراعات أو الأزمات، وأيضًا تجنب التعبير عن مواقفها الواضحة بشأن القضايا الخلافية. من الواضح أن الصين ليست حريصة على لعب دور محوري كصانع للسلام، حيث نشرت في يناير 2016 أول ورقة رسمية بشأن السياسة العربية في الشرق الأوسط، كما أن إجراءاتها في سوريا بطيئة جدًّا، حتى إن المحللين يصفون سياسة الصين بالحذرة. ورغم هذه السياسة الحذرة، إلا أن سياستها في الشرق الأوسط هي الأكثر واقعية. أصبحت الصين أكثر نشاطًا على الجبهات الدبلوماسية من خلال المشاركة في المؤسسات المتعددة الأطراف، مثل الجامعة العربية، والمنتدى الصيني الخليجي، كما لعبت دورًا أكثر وضوحًا في أمن المنطقة السنوات الأخيرة، خاصة نشر قوات حفظ السلام في جنوب السودان، بجانب بناء أول قاعدة بحرية خارجية في جيبوتي. وبناء عليه فإن السماح بعمليات موسعة لمكافحة الإرهاب بعيدًا عن حدود الصين يدل على استعدادها لتأمين مصالحها فقط في أنحاء العالم، وباستخدام القوة إذا لزم الأمر. النشاط الصيني الجديد في الشرق الأوسط آخذ في الارتفاع، ولا يقتصر على التجارة، ومع ذلك لا تتبع الصين سياسة الهيمنة في المنطقة، ولكنها تستجيب بدقة للأزمات، ولا يزال الحذر الاستراتيجي السمة المميزة للنهج الصيني في الشرق الأوسط، وسيظل هذا النهج موضوعًا للنقاش. المصدر