تزايدت استثمارات الصين فى الشرق الأوسط بشكل كبير فى الفترة الأخيرة وكذلك بصماتها الاقتصادية والدبلوماسية حيث أصبحت منافسا قويا للولايات المتحدةفبكين لديها مجموعة واسعة من المصالح بالمنطقة فى مقدمتها الوصول المستمر إلى موارد الطاقة وخلق فرص استثمارية جديدة وعقود لمشروعات البنية التحتية للشركات الصينية والحصول على حصة بالسوق للترويج لمنتجاتها وبناء النفوذ مع القوى الإقليمية خارج حدود آسيا والمحيط الهادئ. تحتل السعودية وإيران ومصر مكانة بارزة فى حسابات بكين وتعد المنطقة ككل مهمة بسبب مواردها الوفيرة من الطاقة وموقعها كملتقى طرق جغرافى استراتيجى ودورها المحتمل فى إعادة توازن الاقتصاد الصينى نحو الغرب وذلك فى إطار مبادرة طريق الحرير الجديد كما يستهدف التوجه الصينى الحفاظ على الأمن الداخلى من خلال منع الأيديولوجيات الراديكالية والشبكات الجهادية التى تغرس جذورها فى المنطقة من التسرب إلى الصين، وأيضا لكسب الاعتراف بها كقوة عظمى شرعية. تستورد الصين أكثر من نصف نفطها من الخليج، فضلا عن ثلث الغاز الطبيعى، ويعد الشرق الأوسط سوقًا متنامية للمنتجات الاستهلاكية بأسعار معقولة، والصين الآن تعد أكبر مصدر للواردات فى المنطقة. تستورد البحرين ومصر وإيران والسعودية من الصين أكثر من أى بلد آخر والشركات الصينية تفوز بعقود لمشاريع الهندسة والبناء والتطوير البنية التحتية كما انتعشت كذلك الاستثمارات الصينية فى المنطقة فى الجزائر ومصر وإيران والأردن وقطر والسعودية وتسعى الصين للتعاون فى قطاعات جديدة بما فيها الطاقة النووية والمتجددة وتكنولوجيا الفضاء. وذكر تقرير لصحيفة «ريال كيروورلد» أنه لانتشار الصين بالمنطقة تكبدت مخاطر إضافية أن الفوضى المنتشرة بالشرق الأوسط أثارت مخاوف صانعى السياسات الصينيين من انتشار الأيديولوجية الإسلامية، واحتمال عودة المقاتلين الأجانب لارتكاب أعمال إرهابية، فضلا عن تعليق أو التخلى عن العقود المربحة، أو الإضرار بأصول الاستثمار أو تدميرها، وتعرض العمال الصينين والمغتربين للخطر. وقد أدت زيادة قابلية التعرض لهذه التهديدات المتنوعة إلى ضرورة قيام بكين، وبشكل عاجل، بتطوير الأدوات الدبلوماسية والعسكرية التى ستقوم من خلالها بالرد على تلك التهديدات. والتزام بكين بعدم التدخل فى الشرق الأوسط يهدف إلى تجنب المشاركة المباشرة فى الصراعات أو الأزمات، والتهرب من مواقف واضحة بشأن القضايا الخلافية، ومن الواضح أن الصين ليست حريصة على القيام بدور رئيسى كصانع سلام، وكانت أول ورقة للسياسة العربية صادرة عن الصين فى يناير 2016 مبهمة بشأن سوريا وهذا قد جعل العديد من المراقبين يصفون سياسة الصين بأنها حذرة وكارهة للمخاطرة. كما لعبت الصين دورا أمنيا أكثر وضوحا فى المنطقة السنوات الأخيرة، خاصة فى نشر قوات قتالية لحفظ السلام فى جنوب السودان بالإضافة إلى بناء أول قاعدة بحرية خارجية لها فى جيبوتى قامت بإجلاء السفن البحرية التابعة لجبهة التحرير الشعبية فى ليبيا واليمن، بالإضافة إلى سن القوانين التى تجيز عمليات مكافحة الإرهاب الأكثر توسعا خارج حدود الصين، والتى تدل على أن الصين ترغب فى تأمين مصالحها فى جميع أنحاء العالم، وذلك باستخدام القوة إذا لزم الأمر. رغم نمو دور الصين فى الشرق الأوسط دبلوماسيا واقتصاديا وعسكريا إلا أن ذلك لا يعد مؤشرا على المنافسة الاستراتيجية بين الصينوالولاياتالمتحدة لأن المصالح الأمريكيةوالصينية فى الشرق الأوسط لا تتعارض بشكل مباشر مع بعضها البعض وعلى النقيض من ذلك فالولاياتالمتحدةوالصين مصلحة مشتركة فى التدفق المتواصل للنفط من الشرق الأوسط وفى مواجهة التطرف العنيف بالمنطقة. وتشير الصحيفة إلى أن الصين لا ترغب فى تحدى الهيمنة العسكرية الأمريكية فى المنطقة لسبب وجيه أنها تستفيد من دور الولاياتالمتحدة كضامن أمنى، وذلك دون أن تحمل نفسها التكاليف المالية أو السياسية المحتملة وعلاوة على ذلك فالحفاظ على وجود عسكرى كبير فى الخليج والمنطقة المحيطة يحول إلى حد ما انتباه الولاياتالمتحدة ومواردها بعيدا عن شرق آسيا وهى المنطقة ذات الأولوية الجيوستراتيجية الأعلى بالنسبة للصين.