منذ 100 عام، بعدما أعلنت بريطانيا عن ضرورة إنشاء وطن لليهود في فلسطين، انتهى الوئام على هذه الأرض لتصبح جافة، حيث عمل الرؤساء والملوك والوزراء والدبلوماسيون لأكثر من قرن لتحقيق السلام، ولكن البحث كان عقيمًا. يبدو أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لا يخشى التحدي المتمثل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، حيث قال: أعتقد بصراحة أن الأمر ليس صعبًا كما اعتقد الناس على مر السنين. وأيًّا كان ما يمكن أن يقال عنه، لا يعاني ترامب من عجز في الثقة، فبينما استضاف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أعلن ترامب أنه سيكون الرئيس الذي يصنع السلام في الشرق الأوسط، مؤكدًا "سنفعل ذلك"، بل اقترح أنه مع قيادته "لن يكون هناك مثل هذه الكراهية لفترة طويلة". يعتقد ترامب أن هذا الأمر سهل، تمامًا كإلغائه برنامج الرعاية الصحية لأوباما، أو كما أنه لن يصبح هناك مشكلة مع كوريا الشمالية، أو كإجبار المكسيك على بناء ودفع ثمن الجدار الحدودي. حين كان مرشحًا للرئاسة، أكد ترامب أنه يعرف أكثر من الجنرالات عن تنظيم داعش الإرهابي، كما أنه أصر على إمكانية سرعة سداد الديون الوطنية بالكامل، البالغة 119 تريليون دولار، والتي تراكمت على مدى السنوات ال182 الماضية. هذا التصرف المغرور من ترامب، ناتج عن شخصيته التي تكونت منذ عقود، وساعد في ذلك كونه أحد نجوم تليفزيون الواقع، ولكن في واقع البيت الأبيض، الرؤساء الذين يصدرون تبنؤات جريئة غالبًا ما يأسفون عليها، وعلى مدى عقود لم يتمكن الرؤساء الأمريكيون من فعل شيء في الشرق الأوسط. ومن جانبه قال أرون ديفيد ميلر، المفاوض السابق في الشرق الأوسط الذي قضى سنوات في محاولة لجمع الإسرائيليين والفلسطينيين: حين يقول الرئيس إننا سننفذ هذه الصفقة، يعتقد وكأنها صفقة عقارية ستقام لمرة واحدة، وفي حين أن هذا صحيح جزئيًّا، إلا أن القضايا التي تقسم الإسرائيليين والفلسطينيين تتجاوز الصفقة بطريقة لا يمكن تخيلها حتى الآن. أوضح ترامب لعباس أن الأمر سهل، وأنه سيبذل كل ما هو ضروري للتفاوض دون تقديم أي وسيلة لكيفية القيام بذلك، أو ما قد يبدو عليه الاتفاق. وعلى النقيض من ذلك، كرر السيد عباس الشروط التي يصر عليها الفلسطينيون منذ سنوات، وهي إقامة دولة فلسطينية مستقلة قائمة على الحدود التي كانت قائمة قبل الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967، وعاصمتها القدسالشرقية، وحق العودة للاجئين، وحرية المعتقلين في الزنزانات الإسرائيلية، وهو ما تعارضه إسرائيل. وقد أوضح ترامب أن التفاصيل لا تهمه، متخليًا عن الالتزام الأمريكي الطويل بما يسمى حل الدولتين، فعندما استضاف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في فبراير، قال ترامب إنه يوافق على حل الدولتين أو دولة واحدة، حسب اتفاق الجانبين. أعرب الفلسطينيون عن أملهم في أن يكون أكثر تأييدًا لخطة الدولتين، إلا أن عباس أصيب بخيبة أمل عندما لم يذكر ترامب ذلك، يوم الأربعاء. وقال ترامب: نريد خلق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وسنفعل ذلك، سنعمل بجد لتحقيق ذلك. ويبدو أن ترامب مصمم بكل صراحة على تحقيق السلام في الشرق الأوسط، حيث أوكل المهمة لصهره جاريد كوشنر ومحاميه جيسون غرينبلات، وقد يزور الرئيس إسرائيل هذا الشهر قبل رحلته المقررة إلى أوروبا. يبدو أن ترامب توجه إلى فكرة النجاح من حيث فشل الآخرون، وقال: على مدى حياتي، سمعت دائمًا أن أصعب صفقة هي الصفقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، دعونا نرَ ما إذا كنا نستطيع إثبات خطئهم. الظروف الحالية لا تساعد في إقامة سلام، حتى لو كان الرئيس الفلسطيني مستعدًّا لتقديم تنازلات، وبالمثل يواجه نتنياهو، في ولايته الرابعة ضغوطًا سياسية كبيرة وتحقيقات فساد، كما أنه لا يبدو حريصًا على السلام، ولكن كلا الزعيمين لديهما مصلحة في إيهام ترامب بأنهما جادان، حتى لو لم يكونا كذلك. وقال غرانت روملي، المؤلف المشارك في كتاب "آخر فلسطيني" والذي يحكي السيرة الذاتية لمحمود عباس: أعتقد أن الحسابات الفلسطينية يمكنها أن تتبع ذلك أكثر من نتنياهو، مضيفًا: أعتقد أنهم يتوقعون أنه حين يأتي الوقت لمقاومة ترامب أو رفضه، سيكون لدى عباس فرصة الحفاظ على قبضته على السلطة، بينما لن يتمكن نتنياهو. وقال جون هانا كبير مستشاري مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات: كل فشل له تكلفة، كما أن عملية السلام ليست شيئًا إذا لم تمتص وقتًا دبلوماسيًّا كبيرًا، ولكن كلما زاد الوقت الذي يقضيه الرئيس وكبار مستشاريه في محاولة لدفع هذه الصخرة إلى هذا التل، قل الوقت الذي يركزون فيه على مواجهة التحديات الاستراتيجية العميقة مثل إيران وداعش والقاعدة. ومع ذلك قال جيريمي بن عامي، رئيس جيه ستريت، مجموعة مؤيدة للسلام في واشنطن: هناك سيناريو قد يسمح بسقوط كل ما سبق في أيدي ترامب مرة أخرى، ولكن ليس بفضل تألق دبلوماسيته، فربما دول الخليج التي تنحاز لإسرائيل ضد إيران قد تضغط من أجل الوصول إلى قرار بشأن القضية الفلسطينية. المصدر