الفَزّاعَة في اللغة العربية هي ما يخيف الناس كثيرا، وعادة ما تدل على خيال المآتة الذي يتم وضعه في الحقول لإخافة الطيور وإبعادها عن الحقل، والفزَّاعة في الأصل فرعونية. فأول فزَّاعة ذُكرت في التاريخ ظهرت في وادي النيل، حيث كان المزارع ينصبها، من أجل إخافة أسراب الطيور واصطيادها. أظهرت المشاركة الشعبية التاريخية في استفتاء مارس تعطش أسراب المصريين للإدلاء برأيهم في المسار السياسي، وبينما خرجت النتائج بتأييد أكثر من 70% لعودة العمل بدستور 1971 بعد تعديله الذي سبق وأن عطّله المجلس العسكري، لجأ الأخير إلى إصدار إعلانا دستوريا جديدا متجاهلا نتائج الاستفتاء الشعبي، وانحاز الإعلان الدستوري إلى أجندة جماعة الإخوان بالدعوة إلى تنظيم الانتخابات التشريعية أولا ثم وضع الدستور، ليعلن بذلك المجلس رفضه مطالب القوى العلمانية المتعلقة بوضع الدستور أولا. واعتبر المجلس العسكري أن تصويت المصريين على الاستفتاء قد منحه شرعية دستورية شعبية بجوار الشرعية الثورية التي أحرزها في 11 فبراير، ومع غياب أي دور فعال لجهاز أمن الدولة، بدا أن هناك ثمة انفتاح غير مسبوق من قيادة الدولة على القوى الإسلامية. في غداة إصدار الإعلان الدستوري أعلن إبراهيم علي محامي الجماعات الإسلامية، عن رفع اسم 3000 آلاف من قيادات وكوادر الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد من قوائم ترقب الوصول، كانت أغلب هذه القيادات والكوادر العائدة تقيم في أفغانستان والشيشان والبوسنة والهرسك والصومال وكينيا، وهي مناطق تتسم بنشاط الجماعات الدينية العنيفة، وأعلن إبراهيم علي عن عودتهم لأرض الوطن. وبعد أقل من أسبوع من الإعلان السابق، ظهر مؤشرا آخر على أن ثمة تحالف بين بعض أعضاء المجلس العسكري والقوى الإسلامية، وأعلنت وزارة الداخلية عن رفع أسماء عدد من قيادات وأعضاء الجماعات الإسلامية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، من قوائم الممنوعين من السفر وقوائم ترقب الوصول بالمطارات والموانئ البحرية والمنافذ البرية. وكان من بين هذه الأسماء قيادات جماعة الاخوان المسلمين ومن بينهم المرشد العام، علاوة على عدداً من قيادات جماعة التبليغ والدعوة وجماعة أنصار السنة المحمدية والجمعية الشرعية، وهي جهات أنشأتها جماعات السلفية فيما سبق. اكتملت أضلاع مثلث الفزاعة الإسلامية، الضلع الأول فيه هو الجماعات الجهادية، والضلع الثاني السلفي، وقاعدة المثلث كانت جماعة الإخوان المسلمين. وهنا يجب الإشارة إلى نقطتين هامتين؛ أولها أن رفع الحظر عن الجهاديين لا يمكن أن يتم دون إملاء شروط الدولة عليهم وانصياعهم لها، وثانيها أن السلفية في مصر قد سبق وأن دعمتها الأجهزة الأمنية ويتمتع بعض قادتها بعلاقات جيدة مع هذه الأجهزة. انطلقت مشايخ السلفية في تنفيذ خطة التفزيع الديني الخَطابي، عن طريق المطالبة بتطبيق حدود الشريعة الإسلامية، حتى أن أحدهم أطلق لفظ "غزوة" على عملية الاستفتاء الدستوري-وهو استخدام خاطئ دينيا ولغويا-ودعا المعترضين إلى مغادرة البلاد، وكان هذا الخطاب مؤسسا لخطاب كراهية لن تحرك له الدولة ساكنا طيلة الفترة القادمة. لم يكن هناك ثمة ما يدعي المجلس العسكري الى عقد هذه التحالفات، لاسيما وانه كان يتمتع بشعبية مرتفعة في هذا الوقت بسبب تحركه ضد مبارك، كما ان القوى العلمانية لا يمكن أن تمثل خطرا عليه من الناحية السياسية أو العسكرية، ولم تخرج مظاهرات شعبية ضد المجلس العسكري إلا بحلول 8 أبريل 2011. ودونما أية مقدمات، أعلنت وسائل الاعلام عن انضمام بعض ضباط الجيش الى مظاهرات التحرير، وإعلان اعتصامهم هناك، تدخل الجيش بقوة لفض اعتصام الضباط، لتؤسس هذه الحادثة لسردية استهداف تفكيك الجيش المصري، كجزء من مؤامرة الربيع العربي. في غضون ذلك كان السلفيون يمارسون دورا أكبر في استفزاز الأقباط، والتمهيد لخلق مناخ عدائي معهم، بدأ هذا من الجنوب المصري المعروف بقبليته، نظم سلفيون محافظة قنا في 19 أبريل احتجاجات واسعة لرفض تعيين محافظ قبطي للمحافظة، تبعهم في 24 أبريل مظاهرتين كبريتين في الإسكندرية للسلفيين أيضا ولكن هذه المرة للدفاع عن حقوق نساء مسيحيات قد أشهرن اسلامهن، وتكلل هذا النشاط في 4 مايو مع أحداث فتنة كنيسة مارمينا في حي امبابة، وقعت هذه الأحداث على خلفية شائعة عن احتجاز فتاة مسيحية أشهرت إسلامها داخل الكنيسة، حاصر السلفيون الكنيسة وهددوا باقتحامها، ما دفع الأقباط الى اطلاق النار من أعلى الكنيسة، رد السلفيون بمهاجمة المنازل والمحلات المملوكة للأقباط والمجاورة للكنيسة. كان لاستهداف الأقباط عدة أسباب، السبب الأول هو انخراط الأقباط في حركات المعارضة السياسية والجماهيرية قبيل سقوط مبارك، والثاني هو اصدار رسائل للداخل والخارج مفادها أن التغيير سيؤدي إلى إحداث نوعا من الفوضى تطال الأقباط، والسبب الثالث أن الأقباط لن يستطيعوا الرد بشكل كبير لعوامل تتعلق بانخفاض أعدادهم إذا ما تحول الأمر إلى مواجهات مسلحة. جرى تنفيذ سيناريو التفزيع، وبنى على مكونين رئيسيين، الأول هو الترويج لمدى خطورة البديل السياسي، والثاني هو التسويق لمقولة استهداف تفكيك الجيش، وتمثلت آليات تنفيذ هذا في فتح الأبواب أمام الجماعات الدينية في ظل بيئة سياسية شديدة الاستقطاب ما بين مؤيدي العلمانية ومعارضوها، وهى البيئة التي تم تغذيتها بدعوة القوى العلمانية لتنظيم مظاهرة مليونية الدولة المدنية في 27 مايو 2011، وهنا تم تكريس الافتراق السياسي بين قوى يناير إلى غير رجعة، وينبغي هنا التذكرة بأن هذا الخلاف بُني على أساس قضية وهمية لم تكن مطروحة للنقاش قبل يناير، وباختصار نُحيت مطالب التغيير والديمقراطية أمام مسألة الهوية الدينية للدولة. يتبع