حاول المحاور السعودي داود الشريان الخروج عن النص 3 مرات في محاورة قناة العربية السنوية الثانية لولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع، محمد بن سلمان والتي بثتها قناة العربية مساء أمس؛ المحاولة الأولى والثانية كانتا عن حرب اليمن بسؤاله عن وجود خلافات بين الإمارات والسعودية سياسية وميدانية، وأن الأمن مستتب في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيين بعكس المناطق التي يسيطر عليها التحالف في جنوب اليمن، والثالثة حول الخلافات المصرية السعودية، والتي نفى بن سلمان أنها موجودة بالأساس. فحسم الأمير أخيراً موقفه من جماعة الإخوان المسلمين بعدما استخدمها كفزاعة منذ 2015، زاعماً عند سؤاله أن الخطاب الإعلامي المصري ضد المملكة والذي يشي بخلافات بين البلدين، ليس سوى "الإعلام الإخواني الذي يهاجم أيضاً الرئيس السيسي (..) لا يوجد خلاف بين الحكومتين ولم يصدر من أي منهما إجراءات ضد الأخر، من يردد شائعات أن هناك خلافات مع مصر لايردد سوى دعاية إخوانية ". ويذكر أن بن سلمان قد صرح في حوار له على العربية العام الماضي أن بلاده "لا تعتبر جماعة الإخوان جماعة إرهابية"، وذلك عشية رفع المملكة أسم الجماعة من قائمة المنظمات الإرهابية، والتي كان أخر تحديث لها تم في عهد الملك السابق عبدالله بن عبد العزيز منتصف 2014. ويدل هجوم بن سلمان لأول مرة ضد جماعة الإخوان عن تماهي الأخير مع الرؤية الإماراتية تجاه الجماعة، حيث تمسكت أبو ظبي بموقفها ضد الإخوان المسلمين وحاولت التقريب بين موقفي القاهرة والرياض منذ 2015، حيث سعي بن سلمان منذ أن كان رئيساً لديوان ولي العهد لاستمالة الإخوان في استقطاب إقليمي طائفي ضد إيران، وانسحب هذا في وقتها على تحسن علاقات المملكة بكل من تركيا وقطر وفق أولوية عمل مشترك في سوريا. ولكن يبدو أن متغيرات الأوضاع الميدانية في سوريا، وموقف الإدارة الأميركية الجديدة وعدم تبلور التحالف السعودي-التركي القطر الإخواني في سوريا بمنجز ميداني وسياسي، جعل الأفضل بالنسبة لبن سلمان أن يغير موقفه تجاه جماعة الإخوان خاصة وأن واشنطن رهنت مدى تحسن علاقاتها بالرياض في عهد ترامب بحدوث توافق بين الأخيرة والقاهرة، التي باتت تمثل للإدارة الأميركية مرتكز لأولويتها في "مكافحة الإرهاب". وحول مشكلة تيران وصنافير، رأى بن سلمان أنه لا يوجد خلاف بين البلدين حول هذا الأمر، وأن الطرفان متفقين عن عدم تنازل أي منهما عن شبر من أراضيهم، وأن الجزيرتين سعوديتين، وما حدث العام الماضي كان مجرد ترسيم للحدود البحرية يسهل من فرص استثمارات في مجالات الطاقة والنقل والتنقيب عن النفط والغاز، وأن المشاريع المشتركة بين مصر والسعودية مستمرة وعلى رأسها جسر الملك سلمان، الذي قال أنه في طور التخطيط ولم يصبح في طي النسيان. وجدير بالذكر أيضاً في هذا السياق أن شركة "آرامكو" السعودية جمدت تعاقدها مع الحكومة المصرية الخاص بتوريد النفط ومشتقاته أواخر سبتمبر الماضي، وأعيد استئناف التعاقد من جديد إبان زيارة بن سلمان لواشنطن الشهر الماضي، وذلك بعد تدخل الإدارة الأميركية لحل هذه الأزمة خاصة وأن القاهرة حاولت تعويض إيقاف النفط السعودي باستيراد بديل له من ليبيا والعراق. وذلك على الرغم من حكم المحكمة الإدارية العليا النهائي بمصرية جزيرتا تيران وصنافير في يناير الماضي. داخلياً، فإن الحوار الذي أصبح تقليدياً في مثل هذه الأيام من كل عام، خُصص في معظمه للحديث عن رؤية 2030 التي أطلقها بن سلمان العام الماضي، وعن تطوراتها وما طُبق منها وما سيُطبق خلال الخمس سنوات القادمة، والأولويات القصوى حسب تعبير بن سلمان في الناحية الاقتصادية المتمثلة في خصخصة شركة "آرامكو" وتوجه المملكة الجديد الخاص بالبحر الأحمر كفرص لخلق مرتكزات صناعية وتجارية وموانئ على سواحله وكذا التصريح باستمرار العمل في مشروع "جسر الملك سلمان" الذي من المفترض انه سيربط المملكة بسيناء، وتلميحات حول فرص الاستثمار التي ستخلقها رؤية الأمير في شبه الجزيرة المصرية وصولاً لقناة السويس، مدللاً على أهمية البحر الأحمر بأنه يمر فيه 13% من حجم التجارة العالمي وسعيه من خلال رؤية 2030 لأن يكون للسعودية الريادة على سواحل الأحمر في المستقبل. الملاحظ أن بن سلمان في إجاباته وشرحه فيما يتعلق بالشق الاقتصادي والمالي الداخلي في المملكة دعم حديثه بأرقام وإحصائيات حالية ومستقبلية، حول نمو وتباطؤ السوق المحلي والعالمي، بما في ذلك سوق الطاقة والنفط، مؤكداً على أن احتمالات الانكماش والنمو في شتى المجالات بما فيها مجال بيع النفط كلها كانت محسوبة بشكل دقيق في الموازنة العامة للعاميين الماضيين، معللاً بأن تجاوز الدين العام للمملكة لنسبة 30% أمر صحي في ظل أن دول اقتصادية كبرى مثل الولاياتالمتحدة والصين وروسيا تقف عند حدود هذه النسبة، ولكنه بالطبع لم يتطرق للفارق الشاسع بين دول صناعية كبيرة وبين بلد اقتصادها ريعي مازالت حتى الأن تعتمد في اقتصادها بنسبة 90% على عائدات بيع النفط. وكرر الأمر عند سؤال منطقي وبديهي لمحاوره حول تراجع نمو الصناعات المحلية السعودية بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، فأكد الأمير على عدم صحة الأمر وأن رؤيته تستهدف إحلال المنتجات المحلية في السوق السعودي بديلاً عن المنتجات المستوردة بما فيها صناعة الأسلحة، وعزم بلاده على الانخراط في مجال تصنيع الذخائر والأسلحة الخفيفة والمتوسطة. وفي اقتضاب وإيجاز حول القرارات الملكية الأخيرة، لم يتعرض المحاور سوى بتلميح لقرار إحالة وزير الخدمة المدنية السابق خالد العرج بسبب تعيينه لنجله في أحد الوظائف، وهو الأمر الذي أرجعه بن سلمان لنشاط "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" التي أولها الملك سلمان –على حد تعبيره- اهتماماً منذ توليه الحكم وإعادة تفعيل دورها، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن محاسبة الفاسدين لن تقف عند "وزير أو حتى أمير". ويأتي هذا التصريح عشية إحلال بن سلمان عن طريق قرارات والده الأخيرة مقربين منه محل مسئولين وأمراء أخريين في مختلف المجالات السياسية والدبلوماسية والعسكرية والأمنية والتنفيذية.