قام وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، بزيارة مفاجئة إلى العاصمة الأفغانية "كابول"، الإثنين الماضي، بعد ساعات من استقالة نظيره الأفغاني عبد الله حبيبي، وعلى بعد أيام من هجوم طالبان على قاعدة عسكرية في الشمال الأفغاني، وهي الزيارة التي استمرت لساعات التقى خلالها مسؤولين أفغان بينهم الرئيس أشرف غني، ومستشاره الأمني. تحركات أمريكية غامضة تجاه أفغانستان، زادها غموضًا انعكاس سياسة ترامب الجديدة تجاه هذا البلد، زيارات سرية غير معلنة لمسؤولين أمريكيين لن يكون آخرهم ماتيس، في ظل وجود أزمة سياسية وأمنية داخلية على خلفية هجوم جماعة طالبان قرب مزار شريف، الأمر الذي يخلط الأوراق مجددًا في كل اتجاه بعد 16 عاما من الاحتلال الأمريكي لأفغانستان. مهمة ماتيس في كابول يرى مراقبون أن زيارة ماتيس إلى أفغانستان غير المعلنة، تهدف لرفع معنويات القوات الأمريكية والجيش الأفغاني الذي تدعمه واشنطن، وقد تشمل الزيارة أيضًا بحث عدد من الملفات أهمها استقالة وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش الأفغاني، والبحث عن بديلين لهما، كما أن ماتيس من المفترض أن يقدم إيضاحات بشأن "أم القنابل" الأمريكية التي ألقتها بننغرهار. ماتيس والفشل الأمريكي في أفغانستان يزور وزير الدفاع الأمريكي الجديد أرض أفغانستان للملمة فشل بلاده في حربها ضد حركة طالبان، في زيارة غير معلنة لهذا البلد الممزق بفعل الصراعات السياسية والأمنية، والتي كان آخرها هجوم مسلحين من طالبان على قاعدة عسكرية خارج مدينة "مزار شريف" أدى إلى مقتل أكثر من 140 جنديًا أفغانيًا، الأمر الذي أدخل قوات الأمن الأفغانية في أزمة داخلية حقيقية، خاصة بعد استقالة وزير الدفاع الأفغاني، ورئيس أركان الجيش، شاه شاهيم، بأثر فوري في تطورات ألقت بثقلها على الأوضاع الداخلية السياسية منها والأمنية. ماتيس، الذي يقوم بزيارة تفقدية لجنوده في أفغانستان، يقول إنه يحمل استراتيجية جديدة بحسب رؤية الرئيس ترامب، استراتيجية يأمل ماتيس، أن تكون تأسيسًا لمرحلة سياسية على قاعدة حكومة وحدة وطنية، وقال ماتيس: "أنتم تعلمون أن الرئيس ترامب قد وجه نظرة جديدة حول أفغانستان وهذه تعتمد على إجراء حوار مع الزعماء الأفغان، العام الحالي سيكون عامًا قاسيًا آخر على القوات الأفغانية، لكن التحالف الدولي سيكون كتفًا على كتف مع القوات الأفغانية لمحاربة الإرهابيين". يتبين من كلام ماتيس حجم المأزق الأمريكي في أفغانستان الذي توقع أياما صعبة أخرى على هذا البلد، فستة عشر عامًا من الاحتلال الأمريكي لأفغانستان لم تستطع واشنطن بحسب أهدافها القضاء على طالبان وغيرها، بل بالعكس أصبحت طالبان تقوم بعمليات كبيرة ترسم حولها أسئلة عديدة حول من يسهل لهم الاختراق الأمني الواضح، وفي كل مرة تحت عيون قوات التحالف، كما أن العام 2016 كان الأكبر من ناحية الخسائر المدنية التي وصلت إلى أعلى مستوى، وقد سجلته الأممالمتحدة بعد مقتل وإصابة قرابة 11 ألف وخمسمائة مدني أعزل، ثلثهم من الأطفال، ومعطوفة على الغارات الأمريكية المستمرة، وآخرها إلقاء الجيش الأمريكي ما أسماها ب"أم القنابل"، بعد أن تم إطلاق يد العسكر في أفغانستان عبر قرارات ترامب الأخيرة، وعليه ربما تسلط التطورات الأخيرة الضوء على الفشل الأمريكي في الفوز بتلك الحرب المستمرة، في حرب بدأها جورج دبليو بوش في عام 2001، تستمر في قتل المدنيين بغياب استراتيجيات حقيقية، وفي ظل دولة أفغانية منهارة الجيش والمؤسسات، بينما الجماعات الإرهابية بنفس قوتها لم تنهزم أو يقضى عليها، وفي هذا السياق أيضًا وبالتزامن مع زيارة ماتيس، قال مسؤولون أفغاني إن مسلحين يشتبه بأنهم من حركة طالبان هاجموا قاعدة تديرها القوات الأميركية في إقليم خوست بشرق البلاد، ولم يذكر أي تفاصيل أخرى. وبدوره، قال المتحدث باسم القوات الأميركية في أفغانستان الكابتن وليام سالفين، إن الهجوم تسبب بوقوع قتلى أفغان على ما يبدو، لكن لم تلحق خسائر بشرية بين الجنود الأميركيين أو قوات التحالف الدولي في القاعدة. الجدير بالذكر أن لفظ "جهنم"، هي الكلمة التي وصّف من خلالها الجنرال الأمريكي جوزيف أندرسن، وضع الاحتلال الأمريكي في أفغانستان لسنة 2014، وكانت الولاياتالمتحدةالأمريكية غزت أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر، بدعم من حلفائها، بدأ تدخل الناتو في 2003. وخلال الاحتلال الأمريكي لأفغانستان حاولت الإدارة الأمريكية تطوير استراتيجيات عديدة لمواجهة طالبان، ففي البداية حاولت أمريكا دفع مقاتلي الحركة لإلقاء السلاح والاندماج في بنية النظام الجديد، ثم طورت نظرية "ضرب الشبكة" والتي ترى ضرورة قتل أبرز قيادات الحركة والمؤثرين فيها وكذلك خلايا تصنيع المتفجرات، ثم استراتيجية "التقوقع" قدر الإمكان داخل القواعد المحصنة وإعطاء قيمة أكبر لعمليات القصف الجوي، غير أن طالبان طورت من بنيتها الهجومية حتى أصبحت بالفعل تهدد القواعد العسكرية نفسها، ثم الاستراتيجية الأخيرة لباراك أوباما القائمة على تخفيف الوجود الأمريكي في العراق وتعزيزه في أفغانستان، إلا أن الاستراتيجية المضادة التي اتبعتها طالبان أثبتت نجاحها الكبير، فالحركة تخوض معركة وجودية بعكس خصمها، وهي جماعة بنيتها التنظيمية غير واضحة للجيش الأمريكي، وتمتلك حاضنة شعبية كبيرة وواسعة، فضلًا عن مقدرتها الهائلة على التكيف مع كل المتغيرات الحاصلة، وهنا لا تبدو استراتيجية ترامب الجديدة المبنية على القوة العسكرية قادرة على إحداث الفارق في أفغانستان وعودة الاستقرار إلى هذا البلد المنهك.