الهجوم الأمريكي بالصواريخ على قاعدة الشعيرات الجوية في سوريا يذكر المحللين بلعبة الشطرنج التي بدأها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، والتي كانت في البداية مختلفة تمامًا، ومن الواضح أن ترامب يهدف إلى خنق سيادة سوريا؛ في محاولة لإظهار أن الرئيس السوري بشار الأسد ليس سوى قطعة في لعبة الشطرنج السورية. أي خطوات عدائية صريحة يتخذها البيت الأبيض ضد دمشق تهدف إلى أن تكون مؤشرًا على غياب أي حجة للبحث عن سبب أو إذن من بشار الأسد للولايات المتحدة لاتخاذ أي خطوات على الأرض السورية. وتتجاهل إدارة ترامب أيضًا المجتمع الدولي عن قصد كما لو كان الهجوم على الدولة السورية ذات السيادة لا يشكل انتهاكًا للقانون الدولي. وقد تبين لنا أن واشنطن لن تأخذ في الاعتبار سوى خططها ومصالحها الخاصة، في حين تنشر قواتها العسكرية في المنطقة، وهذا لا يعني بالضرورة أنها ستستمر في التظاهر بأنها كانت ستقاتل من أجل مواصلة الكفاح المعلن ضد إرهابيي داعش، وبالتالي فإن القواعد الأمريكية التي يتم بناؤها في سوريا هي مجرد تربة لزرع احتلال جديد ومواجهة الرئيس السوري. في السنوات الأخيرة حصلت روسيا على قاعدتين عسكريتين في سوريا، قاعدة خميميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية، ولم يكن لدى الولاياتالمتحدة موطئ قدم في سوريا للتحدث عنه. وفي هذا الصدد كان البنتاغون ورئيس الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية نشيطان بشكل خاص في تحقيق الأهداف التي اعتبرت غير مهمة، قبل أن يأتي ترامب إلى السلطة، ومن الواضح تمامًا أن قواعد أمريكا التي يتم بناؤها شرق نهر الفرات بُنيت مع أهداف طويلة الأجل في الاعتبار، لذلك الأمريكيون هناك مستمرون، بغض النظر عن الشكل الذي ستتخذه الحرب الأهلية السورية. قدم وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس بالفعل إلى ترامب خطة الاستيلاء العسكري على الأراضي السورية في فبراير الماضي، والتي كان من المقرر تحقيقها من خلال بناء شبكة من المرافق العسكرية؛ بحجة وجود حاجة ملحة لمحاربة ما يسمى داعش في وقت واحد بالعراقوسوريا. وبالإضافة إلى تعزيز القدرات الهندسية واللوجستية للقاعدتين السوريتين اللتين تم الحصول عليهما مؤخرًا من رميلان وكوباني، تم إطلاق أعمال البناء على وجه الاستعجال في قاعدة القوات المسلحة السورية السابقة التابعة للطبقة في محافظة الرقة، والتي يعمل فيها المهندسون الأمريكيون على مدار الساعة. على وجه الخصوص تم استثمار الكثير من العمل في إعادة بناء وتوسيع مدرج الطائرات، بحيث ستكون القاعدة قادرة على استضافة الطيران التكتيكي ووحدات النقل الجوي، كما أنه من المتوقع أن تلعب قاعدة الطبقة قريبًا دورًا محوريًّا في الخطط الأمريكية. تجدر الإشارة إلى أن القواعد الثلاثة المذكورة شُيدت في المناطق الواقعة في "كردستان السورية". وهكذا تحاول إدارة ترامب إظهار أن دمشق يمكن أن تنسى عودة المناطق الكردية الخاضعة لسيطرتها. وقد تم بالفعل استخدام سيناريو مشابه إلى حد ما في العراق، حيث تحولت "كردستان العراق" منذ عام 2003 إلى نوع من منطقة الحكم الذاتي، مع عدم وجود سلطة حقيقية في بغداد على تلك الأراضي. لن يكون من قبيل المبالغة القول بأن الجزء الشمالي الشرقي من سوريا له قيمة استثنائية لواشنطن في هذه الأيام، ليس كطريقة لتعزيز القوات الكردية، ولكن بسبب الحاجة إلى إبقاء العين على روسيا وإيران وكذلك تركيا. وقد أظهرت أنقرة مرارًا وتكرارًا عزمها على التعاون مع روسيا فى مختلف المجالات، وابتزاز بعض دول الناتو مع احتمال إغلاق قاعدة إنجرليك الجوية. بالإضافة إلى ذلك تحاول واشنطن منع أي خطوات يمكن أن تتخذها تركيا ضد الأكراد السوريين شرق الفرات، وبالتالي استخدام العامل الكردي لدفع أنقرة بعيدًا. بعد كل شيء، وفقا لمنطق أعمال ترامب، ليس هناك أصدقاء لواشنطن في أي مكان، لأن مصالح واشنطن هي أساس هذه السياسة الأمريكية الجديدة. لذا يجب على كل اللاعبين الإقليميين والعالميين، بما في ذلك تركيا، مراقبة لعبة الشطرنج الخاصة بترامب في سوريا بعناية، حتى لا ينخدعوا بابتسامة "تهدئة"، وحتى يتجنبوا الخسارة قبل أن تبدأ اللعبة. المقال الأصلى: اضغط هنا