مع نهاية شهر أبريل عام 1936 انطلقت شرارة الثورة الفلسطينية الكبرى ضد المحتل البريطاني والعصابات الصهيونية، عبر دعوات للإضراب العام في كافة المدن والقرى الفلسطينية، واستطاع الشعب الفلسطيني أن يستمر في ثورته وكفاحه على مدار ثلاث سنوات، حين ضاعفت بريطانيا من قواتها العسكرية في مواجهة الثورة، وعلى الجانب الآخر عملت الدبلوماسية البريطانية على الدخول في مفاوضات مع الفلسطينيين واليهود ودعت إلى مؤتمر لندن، ما أدى نهاية لاحتواء الثورة والقضاء عليها. البدايات الأولى منذ مطلع القرن العشرين والوطن العربي يشهد حالة من الحراك الكبير وتصاعد دعوات المقاومة والتحرر الوطني والسعي للخلاص من قوات الإحتلال، في هذا السياق عُقد المؤتمر الفلسطيني الأول في يناير عام 1919 بمشاركة ممثلين عن مختلف المناطق الفلسطينية، بهدف الرد على وعود المستعمر البريطاني بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وشهدت السنوات التالية حالة من الحراك والمقاومة المستمرة، وكانت أبرز تجلياتها المواجهة التي حدثت عام 1929 مع اليهود وقوى الاحتلال البريطاني في مدينة القدس، والتي أطلق عليها ثورة "البراق"، اندلعت هذه الأحداث بسبب محاولات اليهود لفرض سيطرتهم وسيادتهم على حائط "البراق". امتدت الاشتباكات بين اليهود والقوات الإنجليزية من جهة، والفلسطينين من جهة أخرى، من مدينة القدس إلى الخليل وبئر سبع والعديد من القرى والمدن الفلسطينية، ونتج عنها 116 قتيلا فلسطينيا و133 قتيلا يهوديا و232 جريحا فلسطينيا و339 جريحا يهوديا، واعتقلت سلطات الانتداب الإنجليزي تسعمائة فلسطيني، وأصدرت الحكم بالإعدام على 27 فلسطينيًا ثم خُفف الحكم على24 منهم، ونفذ حكم الإعدام في شهر يونيو عام 1930 في ثلاث فلسطينين وهم فؤاد حجازي، وعطا الزير، ومحمد جمجوم.
بعد هذه الأحداث ضاعف المحتل البريطاني من اضطهاده وتنكيله بالفلسطينيين عن طريق فرض مزيد من الضرائب والقيود على المزارعين وانتزاع ملكية أراض كثيرة ومنحها لقادة العصابات الصهيونية، وفي هذه الأثناء نشط الشيخ عز الدين القسام كأحد رموز المقاومة الفلسطينية داعيًا إلى مواجهة الاحتلال البريطاني ومحاربة النفوذ الصهيوني، وكان يردد دائما أن الثورة المسلحة هي الوسيلة الوحيدة لإنهاء الانتداب البريطاني والحيلولة دون قيام دولة صهيونية في فلسطين.
اتخذ القسام من حيفا مقرًا لانطلاق حركة المقاومة المسلحة وكان يخطب في الناس قائلًا "يا أهل حيفا، يا مسلمون، ألا تعرفون فؤاد حجازي؟ ألم يكن فؤاد حجازي وعطا الزير ومحمد جمجوم إخوانكم؟ ألم يجلسوا معكم في دروس جامع الاستقلال؟ إنهم الآن على المشانق، إن الصليبية الفرنسية والإنجليزية والصهيونية تريد ذبحكم كما ذبحوا الهنود الحمر في أمريكا, تريد إبادتكم حتى يحتلوا أرضكم من النيل إلى الفرات ويأخذوا القدس". على مدار السنوات التالية استطاع القسام تكوين خلايا سرية من مجموعات صغيرة، وأخذ يجمع التبرعات من الأهالي لشراء الأسلحة، وتميزت مجموعات القسام بالتنظيم الدقيق، فكانت هناك الوحدات المتخصصة كوحدة التدريب العسكري، ووحدة الاتصالات السياسية، ووحدة التجسس على الأعداء. في عام 1935 ضاعفت القوات البريطانية من تضييق الخناق على الشيخ عز الدين القسام ومجموعته، وظل القسام يتنقل بين العديد من القرى الفلسطينية حتى تم حصاره ومعه خمسة عشر مقاتلا في قرية الشيخ زايد، وطالبته القوات البريطانية بالاستسلام لكنه رفض وظل يقاوم حتى استشهد، بعد أن كبد القوات البريطانية خسائر كبيرة.
اندلاع الثورة كان لمقتل الشيخ القسام أثر كبير في اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936, وكانت نقطة تحول كبيرة في مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية بعد ذلك، ففي ظل تزايد هجرة اليهود واستحواذهم على قطاعات واسعة من الأراضي، ومع فرض مزيد من الضرائب الباهظة على الفلسطينين من قبل المحتل البريطاني، ودعم إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، كل ذلك ساهم في إطلاق شرارة الثورة.
في 20 من أبريل عام 1936 أعلن في مدينة نابلس عن تأليف لجنة قومية دعت إلى الإضراب العام، وبعدها عقدت عدة اجتماعات شارك فيها ممثلون لكافة القرى والمدن الفلسطينية وللأحزاب السياسية وبرئاسة الحاج أمين الحسيني، المفتي العام للقدس، ونتج عنها تشكيل قيادة عامة لشعب فلسطين عرفت باسم اللجنة العليا، وأصبحت لاحقا تعمل باسم الهيئة العربية العليا، وقرر المجتمعون استمرار الإضراب إلى أن تبدل الحكومة البريطانية سياستها المتبعة في البلاد تبديلا أساسيا تظهر بوادره في وقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وحظر نقل ملكية الأراضي العربية إلى اليهود الصهاينة، وإقامة حكومة ديمقراطية يكون النصيب الأكبر فيها للعرب وفقا لغالبيتهم العددية. مع بداية شهر مايو كان الفلسطينيون في ثورة عارمة في مختلف القرى والمدن، ويقسم المؤرخون الثورة لثلاث مراحل رئيسية، المرحلة الأولى على مدار ستة أشهر من مايو إلى أكتوبر عام 1936، وتم فيها تنفيذ الإضراب بصورة كاملة، وأصبح أطول إضراب ضد الاستعمار الغربي عرفته حركات التحرير الوطنية في النصف الأول من القرن العشرين، وأدى إلى إيقاف النشاط التجاري والاقتصادي وقفا تاما، كما شهدت هذه الفترة مواجهات مسلحة قوية بين المقاتلين الفلسطنيين وقوات الاحتلال البريطاني، ونتيجة النجاحات الكبيرة التي حققتها الثورة، أعلنت السلطة البريطانية وضع قوانين الطوارئ، واستعانت بعدد من كبار الضباط لقمع الثورة، ولكنها لم تنجح، وأخيرا لجأت بريطانيا إلى الحكام العرب وطالبتهم بالتوسط لدى اللجنة العربية العليا لإنهاء الحرب وإيقاف الثورة.
لجنة بيل بعد وساطة من الملوك والأمراء العرب، جرى الإعلان عن وقف الإضراب، وشكلت الحكومة البريطانية لجنة تحقيق في أغسطس 1936، بغرض دراسة الأسباب الأساسية لانتفاضة المواطنين الفلسطينيين، وقد ضمت اللجنة ستة أعضاء برئاسة اللورد الإيرل بيل واشتهرت باسم لجنة "بيل". قدَّمت اللجنة تقريرها في 7 يوليو 1937، والذي أرجع انتفاضة المواطنين الفلسطينيين إلى رغبتهم في الاستقلال القومي وإلى مخاوفهم من إقامة الوطن القومي اليهودي واستمرار الهجرة اليهودية إلى فلسطين واستيلاء المستوطنين الصهاينة على الأراضي العربية.
وأوصت اللجنة بأن تتخذ الحكومة البريطانية الخطوات اللازمة لإنهاء الانتداب وتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية، تضم الدولة اليهودية القسم الشمالي والغربي من فلسطين، وتمتد على الساحل من حدود لبنان إلى جنوبي يافا، وتشمل عكا وحيفا وصفد وطبريا والناصرة وتل أبيب، أما الدولة العربية فتشمل القسم الجنوبي والشرقي من فلسطين ويتم ضمها للأردن، أما الأماكن المقدسة في القدس وبيت لحم فتبقى تحت الانتداب البريطاني. صمود الثورة استشاط الفلسطينيون غضبًا نتيجة هذه التوصيات، التي تعطي للصهاينة حق السيادة على التراب الفلسطيني وتضمن لهم تأسيس دولتهم، والاستحواذ على مئات القرى الفلسطينية، والحكم على الآلاف من الفلسطينيين أن يصبحوا أقلية في وطنهم. كذلك يتيح هذا الحل للدولة اليهودية الاستحواذ على 33 من مجموع مساحة البلاد في وقت لم تكن الملكيات اليهودية فيه تتجاوز 6,5 من أراضي فلسطين.
واندلعت المرحلة الثانية من الثورة في الفترة من يوليو 1937 حتى خريف سنة 1938، وشهدت هذه الفترة تضحيات كبيرة من الشعب الفلسطيني في مواجهة قوات الاحتلال البريطاني التي أصدرت أمرها في الحال بحلّ اللجنة العربية العليا واعتقال أعضائها، وشمل قرار الحلّ أيضا جميع الأحزاب والمنظمات السياسية الفلسطينية. واعتقال آلاف الفلسطينيين، وفرض العقوبات الجماعية على المدن والقرى، وبنسف أحياء سكنية بكاملها، وإغلاق الكليات والمدارس، وفي سنة 1938 وحدها، قُدّر عدد الفلسطينيين الذين استشهدوا بأكثر من ألف شخص وسجن أكثر من ثلاثة آلاف.
ورغم كل هذه الإجراءات، استمرت الثورة الفلسطينية في صمودها وتحقيق نجاحها وأصبحت مساحات كبيرة من فلسطين ومنها البلدة القديمة في القدس تحت سيطرة الثوار، واجتذبت المقاومة الفلسطينية شعور التأييد والتضامن من الدول العربية، وتم تشكيل العديد من اللجان في سورياولبنان ومصر لدعم الثورة بالمال والسلاح. حصار الثورة في منتصف عام 1938 بدأت الحكومة البريطانية العمل على محوريين أحدهما عسكري عبر حشد مزيد من قواتها في مواجهة الثورة وعبر مزيد من الحصار الاقتصادي والقمع، ومحور ثان دبلوماسي وعدت فيه بالنظر من جديد في المطالب الفلسطينية، أوفدت بريطانيا لجنة تحقيق أخرى، برئاسة السير جون وودهيد، لدراسة الجوانب الفنية لتنفيذ فكرة التقسيم، وقد نشرت اللجنة تقريرها، وتوصلت فيه إلى أن التقسيم لم يكن عمليا، وأعلنت الحكومة البريطانية أيضا نيتها عقد مؤتمر عام في لندن في مطلع عام 1939، يحضره زعماء صهاينة وفلسطينيون، ومندوبون عن الدول العربية المجاورة.
في هذه الفترة تراجعت الثورة، وتدريجيًا تم القضاء عليها، وعقب مؤتمر لندن أصدرت بريطانيا بيانا تعهدت فيه بمجموعة من السياسات، ومن أبرزها أولًا الإقرار بإقامة وطن قومي يهودي، ثانيًا السماح في غضون السنوات الخمس التالية بهجرة 75,000 يهودي فقط إلى فلسطين، وبعدها تخضع الهجرة اليهودية ل"الإذعان العربي"، ثالثًا لا يسمح بنقل ملكية الأراضي إلا في مناطق معينة، مع تقييدها وتحريمها في مناطق أخرى، بقصد حماية الفلسطينيين من اقتلاعهم من أراضيهم، رابعًا إنشاء دولة واحدة مستقلة بعد مضي عشر سنوات، شرط توافق الفلسطينيين واليهود.