في الوقت الذي تشتد فيه المواجهات بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني، ومع تعالي الأصوات المنادية بالسير على نهج المقاومة، التي لا تعرف بالمفاوضات والمراوغات السياسية، تأتي ذكرى استشهاد الشيخ "عز الدين القسام"، الذي يلقبه الفلسطينيون ب"زعيم المجاهدين". "محمد عز الدين بن عبد القادر القسام" أو "زعيم المجاهدين" كما يصفه الفلسطينيون، رجل دين إسلامي وقيادي فلسطيني مقاوم، ولد عام 1871 في بلدة "جَبَلة" في سوريا، وتربى في أسرة متديّنة ومعروفة باهتمامها بالعلوم الشرعية، ثم ارتحل إلى مصر عام 1885، حيث درس الشيخ "القسام" في الأزهر، وتأثر كثيرًا بالإمام الشيخ "محمد عبده"، الذي قدم رؤيته التاريخية لعملية التوليف بين قيم الحداثة الأوروبية وبين الحضارة الإسلامية، وواكب الحركة القومية الناشطة في مصر ضد بريطانيا. تخرّج من الأزهر عام 1904، وعاد إلى بلده جبلة، حيث عمل مدرسًا وخطيبًا في جامع "إبراهيم بن أدهم"، وتبوء مكانة دينية كبيرة، ومن بعدها خاض القسام غمار العمل السياسي من منطلق يمزج التربية الدينية بالهدف القومي، فكان له دور كبير في تحفيز الفلسطينيين والعرب على قتال الاستعمار، ثم الاحتلال الإسرائيلي من بعده، حتى صار رمزًا من رموز المقاومة العربية والإسلامية، وكان واحدًا من رموز الانتفاضات العربية ضد تداعيات "سايكس-بيكو"، وخاصة تلك التي مهدت للاحتلال الصهيوني لفلسطين. قاد "القسام" أول تظاهرة تأييدًا لليبيين في مقاومتهم للاحتلال الإيطالي، حيث خرج "القسام" إلى الشوارع يقود الجماهير في جبلة واللاذقية ومدن الساحل وقراه، وعندما تمكن الجند الإيطالي من احتلال ليبيا انتقل "القسام" من قيادة التظاهرات الشعبية إلى قيادة حملات تجنيد الشباب للدفاع عن شرف المسلمين ومنع نزول المذلة بهم. عندما احتل الأسطول الفرنسي اللاذقية والساحل السوري في أكتوبر عام 1918، كان "عز الدين القسام" أول من رفع راية مقاومة فرنسا في تلك المنطقة، وأول من حمل السلاح في وجهها، وكان من نتاج دعاياته أن اندلعت نيران الثورة في منطقة صهيون، وهو ما عرفت ب"ثورة جبل صهيون"، فكان "القسام" في طليعة المجاهدين. بعد أن ضعفت الثورة وتوقفت، انتقل "القسام" عام 1921 إلى فلسطين مع بعض رفاقه، واتخذ مسجد "الاستقلال" في الحي القديم في حيفا مقرًا له وأصبح إمامًا له، ومن هناك انطلقت دعوات "القسام" لمحاربة الاستعمار البريطاني بعدما التحق بجمعية الشبان المسلمين، وأصبح رئيسًا لها عام 1926. استطاع "القسام" في حيفا تكوين جماعة سرية عُرفت باسم "العُصبة القسّامية"، وبدأت المرحلة الجادة في التسلح والتدريب في أواخر عام 1928، عندما خطا اليهود خطوة جريئة حيث تجاوزوا المباح لهم عند حائط البراق، وتداعوا من كل أنحاء فلسطين وتدفقوا إلى الزيارة آلافاً مؤلفة، وهو ما أثار مشاعر المسلمين وتداعوا إلى حراسة المسجد الأقصى والدفاع عنه، مما دفع جماعة القسام إلى الانتقال من مرحلة الدعوة إلى مرحلة الإعداد العسكري المسلح. في عام 1935، شددت السلطات البريطانية الرقابة على تحركات "القسام" في حيفا، فقرر الانتقال إلى الريف حيث يعرفه أهله منذ أن كان مأذونًا شرعيًا وخطيبًا يجوب القرى ويحرض ضد الانتداب البريطاني، فأقام في قضاء جنين ليبدأ عملياته المسلحة من هناك. في ذلك الوقت كان "القسام" شخصية مطلوبة لدى القوات البريطانية، حيث أخذت في تتبعه وكشفت أمر انتقاله إلى الريف، فتحصن "القسام" هو وبعض أتباعه بقرية "الشيخ زيد"، فلحقت القوات البريطانية بهم وطوقتهم وقطعت الاتصال بينهم وبين القرى المجاورة، وطالبتهم بالاستسلام، لكنه رفض واشتبك مع تلك القوات، وقتل منها خمسة عشر جنديًا، ودارت معركة غير متكافئة بين الطرفين لمدة ست ساعات، وانتهت المعركة باستشهاد "القسام" وثلاثة من رفاقه، وجُرح وأُسر آخرون، في 20 نوفمبر عام 1935. كان لاستشهاد "القسام" الأثر الأكبر في اندلاع "الثورة الفلسطينية الكبرى" عام 1936، حيث أضحى علمًا من أعلام الجهاد في فلسطين، وهو ما شكل نقطة تحول كبيرة في مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية بعد ذلك، فقد حدد "القسام" مسئوليات القادة من بعده، ووزع عليهم مناطق فلسطين، لكن امتداد الثورة تأخر بعد وفاة "القسام" بسبب مقتل عدد من القياديين في الجماعة واعتقالهم. تيمنًا بالشهيد المقاوم لكافة أشكال الاحتلال والاستعمار، اختارت حركة "حماس" أن يكون جناحها العسكري على اسم الشهيد "عز الدين القسام"، كما أطلقت اسمه على أحد أبرز صواريخ الحركة المعروفة باسم "صواريخ القسام"، وهي صواريخ يبلغ طولها 70 سنتيمتر، قصيرة المدى، ويصل مداها الكيلومتر، ورأس الصاروخ المتفجر يصل إلى 1 كيلوجرام، كما أخرج المخرج السوري "هيثم حقي" مسلسلاً بعنوان "عز الدين القسام" سنة 1981، مثّل فيه دور "القسام" الممثل السوري "أسعد فضة".