لا أحد في العالم العربي والإسلامي يجهل أمير الجهاد في فلسطين الشيخ المجاهد الشهيد عز الدين القسام، الذي ترك بلدته في الشمال السوري جبلة متوجهًا إلى أرض الرباط الدائم في فلسطين، والتي ارتبطت عضويًا بوحدة جغرافية واحدة ضمن ما كان يسمى بلاد الشام والتي وحدها الله وقسمها سايكس وبيكو. عز الدين عبد القادر مصطفى يوسف محمد القسّام، ولد في مدينة جبلة بمحافظة اللاذقية في سوريا، فى مثل هذا اليوم عام 1871، تلقى دراسته الابتدائية في كتاتيب بلدته جبلة ورحل في شبابه إلى مصر، حيث درس في الأزهر، وأثناء دراسته كان يصنع الحلويات الشامية ويبيعها ليعيل نفسه، ثم عاد لبلده بعد أن أتم دراسته. لما عاد إلى بلاده عام 1903م عمل مدرسًا في جامع السلطان إبراهيم وأقام مدرسة لتعليم القرآن واللغة العربية، عندما اشتعلت الثورة في سوريا عام 1920 ضد الفرنسيين، شارك القسّام في الثورة، فحاولت السلطة العسكرية الفرنسية شراءه وإكرامه بتوليته القضاء فرفض ذلك وكان جزاؤه أن حكم عليه الديوان السوري العرفي بالإعدام. بعد إخفاق الثورة فر الشيخ القسام عام 1921م إلى فلسطين مع بعض رفاقه، واتخذ مسجد الاستقلال في الحي القديم بحيفا مقرًا له، حيث استوطن فقراء الفلاحين الحي بعد أن نزحوا من قراهم، ونشط القسام بينهم يحاول تعليمهم فكان يعطي دروسًا ليلية لهم ويكثر من زيارتهم وقد كان ذلك موضع تقدير الناس وتأييدهم. في حيفا أصبح رئيسًا لجمعية الشبان المسلمين عام 1926م، وكان في تلك الفترة يدعو إلى التحضير والاستعداد للقيام بالجهاد ضد الاستعمار البريطاني، ونشط في الدعوة العامة وسط جموع الفلاحين في المساجد الواقعة شمالي فلسطين. في عام 1929، أشيع أن اليهود يريدون أن يحرقوا مسجد الاستقلال بحيفا، فاقترح بعض الوجهاء أن يطلبوا المساعدة من الإنجليز، لكن الشيخ القسّام رفض رفضًا قاطعًا وقال إن دمنا هو الذي يحمي المسلمين ويحمي مساجد المسلمين وليست دماء المحتلين. في إحدى خطبه كان يخبئ سلاحًا تحت ثيابه فرفعه وقال: من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر فليقتن مثل هذا، فدخل السجن وتظاهر الناس لإخراجه وأضربوا إضرابًا عامًا. اتصل بالملك فيصل بن الحسين في سوريا طلبًا لمؤازرته في ثورته فوعده ولم يثمر وعده عن شيء، واتصل بالحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين الأكبر وطلب منه أن يهيئ الثورة في منطقته، فأجابه بأنه يرى أن تحل قضية فلسطين بالطرق السلمية عن طريق المفاوضات، واتصل مع الأمير راشد الخزاعي من شرق الأردن للمؤازرة وليهيئ الثورة ضد الانتداب البريطاني وأعوانه في شرق الأردن وقد قدم الأمير الخزاعي إمدادًا مباشرًا وقويًا للشيخ القسّام بالمال والسلاح فضلًا عن توفير الحماية للثوار الفلسطينيين في جبال عجلون الحصينة من فترة لأخرى. أنشأ الشيخ عز الدين القسّام وحدات تنظيمية متعددة ومتخصصة من أجل دعم جهود المقاومة، ولم يكن يفصل في عمله بين الدين والسياسة، كما تعلم في الأزهر أن السياسة من أمور الدين، لذلك كان خلافه مع العلماء الذين حاولوا حصر الدين في الأمور العبادية، وهذا أمر تفسره اتصالاته السياسية مع الملك فيصل في سوريا وأمين الحسيني مفتي فلسطين الأكبر والأمير راشد الخزاعي من شرق الأردن. لما اشتدت فعاليات الثورة، اعتصم القسام مع إخوانه في أحراش قرية يعبد، وكانوا مسلحين ولا يهابون خطر المجابهة مع قوات الانتداب البريطاني ولا عواقبها، إلا أن قوات الأمن كانت قد أعدت قوة هائلة تفوق عدد الثوار بمئات المرات وكانت كقطيع كبير من الجيش مصممة على القضاء على الشيخ عز الدين وأتباعه، وأحاطت القوات بالمنطقة منذ الفجر ووضعت الشرطة العربية في الخطوط الهجومية الثلاث الأولى من ثم القوات البريطانية، وقبل بدء المعركة نادى أحد أفراد الشرطة العربية الثائرين طالبًا منهم الاستسلام فرد عليه القسام صائحًا: "إننا لن نستسلم، إننا في موقف الجهاد في سبيل الله"، ثم التفت إلى رفاقه وقال: "موتوا شهداء في سبيل الله خير لنا من الاستسلام للكفرة الفجرة" دامت المعركة القصيرة ساعتين كان خلالها الرصاص يصم الآذان والطائرات المحلقة على ارتفاع قليل تكشف للمهاجمين موقع الثوار وقوتهم وفي نهاية الساعتين أسفرت المجابهة عن استشهاد القسّام وعدد من رفاقه، وألقى الأمن القبض على الباقين من الجرحى والمصابين، وكان ذلك في 19 نوفمبر سنة 1935.