اضطرابات بين السلطة والشعب الإثيوبي الممزق عرقيًّا، توازيها صراعات خفية بين الدول الكبرى لاقتحام إثيوبيا ومحاولة التأثير فيها بكل الطرق، فمن روما المستعمر القديم إلى الصين، نجد أن هناك طموحات أصبحت تعول على التواجد في إثيوبيا، وفي العاصمة أديس بابا، يوزع المضيفون المجلات باللغة الصينية، وفي مطار بولي الدولي في المدينة، السجائر الوحيدة المتاحة هي من مجموعة متنوعة من السجائر الصينية التي أصبحت إجبارًا وليس خيارًا، وخارج المطار في أول إشارة مرور، أغلب سيارات الأجرة يقودها رجال صينيون. قال موقع إثيوميديا، منذ بدأ الصينيون في الوصول لإثيوبيا قبل بضعة سنوات أصبحوا منتشرين في كل مكان، وبعد أن كان يطلق على الأبيض فيرنجي، وهو ما يعني أجنبي، أصبحت الآن تستخدم أساسًا للصينيين، وبنوا كل شيء في أديس أبابا، حتى مقر الاتحاد الإفريقي، ونظام السكك الحديدية الخفيفة الجديد، والطريق السريع مودجو-هواسا، حتى السكك الحديدية التي تصل إلى جيبوتي. وتابع الموقع، في وقت رحيل الإمبراطورية الإيطالية بلا رجعة بعد الحرب العالمية الثانية، كانت الصين تبني إمبراطورية جديدة بمفردها، وفي الوقت الذي ظهرت به الولاياتالمتحدة كقوة عظمى وأخذت تنعش الاقتصاد الأوروبي المتهالك من جهة وتحارب الاتحاد السوفيتي حربًا باردة من جهة أخرى، كانت الصين تتسلل في صمت نحو القمة، لتصبح الولاياتالمتحدة وأوروبا معًا في جهه، تقابلها الصين فقط في الجهة الأخرى، كالنمر الذي ينهك كل من يحاول الركض خلفه. وأضاف الموقع أن الدول الإفريقية التي تمر بظروف مشابهة لإثيوبيا تقابل بالرفض الدولي، بل وبمهاجمتها ومحاولة فرض عقوبات عليها وتدخل القوات الدولية على أراضيها لحفظ السلام، لكن الوضع في إثيوبيا مختلف تمامًا، حيث تتنافس القوى الكبرى على التأثير في الشعب الإثيوبي واقتحام إثيوبيا، خاصة من ناحية الاستثمارات، وأصبح رأس المال يتجه لإثيوبيا حتى صارت أديس أبابا واحدة من أسرع الاقتصادات نموًّا في إفريقيا، والسبب بمنتهى البساطة أن الموقع الاستراتيجي المهم لإثيوبيا جعل من مصلحة تلك الدول استغلال إثيوبيا وليس القضاء عليها لاستخدامها في مهام أخرى، على سبيل المثال وعلى مدى العشرين عامًا الماضية دعمت السعدوية وقطر والكويت إثيوبيا بالاستثمار فيها؛ لأنها بوابة مهمة يمكن استخدامها في حروبها ضد إيران واليمن، وكذلك من مصلحة الدول الكبرى أن تكون إثيوبيا قوية، وفي الوقت ذاته تؤول بولائها لها؛ لأن منابع النيل تخرج من إثيوبيا، ومن المعروف أن الحروب المقبلة حروب المياه. وقال الموقع: لا يستغرق الأمر وقتًا طويلًا لدى وصولك إلى إثيوبيا لمعرفة وفهم القوى التي تلعب بالمنطقة، فبينما تبني الصين الطرق والطرق السريعة مقابل الحصول على الموارد الطبيعية المربحة للبلاد، فإن الملكية الخليجية تؤسس نفوذها في المناطق الريفية، من خلال بناء المساجد ونشر الإسلام السني. ويقول هوارد، الصحفي والخبير الفرنسي الإفريقي: «الاستعمار الجديد» بدأ في إثيوبيا قبل عقدين من الزمان في عام 1996، بعد زيارة الرئيس الصيني آنذاك جيانغ تسه مين لأديس أبابا، واقترح إنشاء منتدى حول الصين- «فوكاك»، وعند عودته إلى الصين حث الصناعيين على الاستثمار في إفريقيا، ومنذ ذلك الحين نمى الوجود الصيني في القارة وأصبحت أكثر وضوحًا من أي وقت مضى، ويظهر ذلك واضحًا من خلال الطرق الصينية والسكك الحديدية والمراكز الصناعية المنتشرة في جميع أنحاء إفريقيا. وقد باعت الحكومة الإثيوبية، تحت ضغط الأزمة الغذائية وتدفق اللاجئين الهاربين من عدم الاستقرار المستمر في القرن الإفريقي، أفضل الأراضى فى البلاد للمستثمرين الصينيين، الذين استخدموها في انتاج الحبوب للتصدير. وتمنح السكة الحديد الجديدة التي تربط أديس أبابا بميناء جيبوتي، على بعد 750 كم الدولة غير الساحلية، الوصول إلى البحر،وبنتها مجموعة السكك الحديدية الصينية وشركة البناء الهندي المدنية الصينية، وهي شركة تابعة لبناء السكة الحديد الصينية كوربوريشن «كرك»، كما يبني الصينيون طريق مودجو – هواسا السريع المكون من ثلاث حارات بتكلفة 700 مليون دولار، كما بنى نظام السكك الحديدية الخفيفة، ونظام الخطين هو الأول في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ولكن بكين ليست مهتمة فقط بالاستثمارات التجارية في ثاني أكبر قارة في العالم، بل تبني الصين أول قاعدة عسكرية خارجية في جيبوتي المجاورة التي ستشمل قاعدة للقوات الجوية وتسكن آلاف الجنود وميناءً للمياه العميقة يمكن أن تستضيف سفنًا حربية كبيرة. وذكر الموقع أن طمع الحكومة الإثيوبية في العروض الصينية والغربية التي تنهال على إثيوبيا جعلتها تصادر الأراضي من الإثيوبيين لخدمة تلك المشاريع، مما نتج عنه معارضة شديدة من القبائل المحلية في إثيوبيا، وفي الصيف الماضي اندلعت احتجاجات عبر أوروميا، وأصبحت تتزايد أكبر وأكبر، وحفزت الحكومة حملة قمعية قُتل خلالها الآلاف وأعلن النظام حالة الطوارئ. وقال شاب، طلب عدم ذكر اسمه: «الخوف الآن لدى الحكومة من أن المحتجين والمزارعين سيشهدون الإسلام الراديكالي كمصدر أمل ضد النخبة الأرثوذكسية المسيحية التي تحكم العاصمة». ويدعي الخبراء أنه رغم التاريخ الطويل الذي يربط إثيوبيا القديمة «الحبشة» بالإسلام إلَّا أن مظاهر الإسلام في إثيوبيا بدأت مع الملكية الخليجية التي قامت «بإضفاء الصبغة الإسلامية» على البلاد بعد سقوط الاتحاد السوفياتي والدكتاتور الشيوعي الإثيوبي منغيستو هايلي مريم في عام 1991، وتم ذلك من خلال بناء المساجد في المناطق ذات الأغلبية المسلمة، ونشرت نسختهم من الإيمان السني في المدارس الإسلامية. وبينما تركز الصين على المصالح التجارية، وتركز الولاياتالمتحدة على المصالح العسكرية تسعى الدول العربية إلى تقديس الإثيوبيين العاديين، ولدى إثيوبيا واحدة من أعلى معدلات النمو السكاني في إفريقيا، ومن المتوقع أن تصل إلى 210 ملايين نسمة في عام 2060، مقارنة ب99 مليون نسمة حاليًا، وتختلف أهداف تلك الدول وتكتيكاتها، لكن كل من بكين والخليج العربي تريان إثيوبيا، التي ستظل أهميتها العالمية تنمو فقط، كمنطقة مليئة بالوعود.