«في الكتابة نقاوم الموت وندافع عن الحياة».. قالها سعد الله ونوس الذي استطاع أن يعيد المسرح إلى مكانته من جديد في العالم العربي، حيث قدم العديد من الأعمال المسرحية في حياته الحافلة بالإنجازات المسرحية التي زلزلت الكثير من المسلَّمات المسرحية التقليدية في العالم العربي. وتمر اليوم ذكرى مولد سعد الله ونوس في 27 مارس 1941 بقرية حصن البحر سنة 1941، الذي تعلم في مدارس اللاذقية بقريته، ثم تابع الدراسة في ثانوية طرطوس حتى البكالوريا، وبدأ يقرأ في سن مبكرة، ويذكر أن أول كتاب اقتناه كان في سن الثانية عشرة بعنوان «دمعة وابتسامة» لجبران خليل جبران، ثم تنوعت قراءاته لأعلام مصريين مثل طه حسين وعباس العقاد وميخائيل نعيمة ونجيب محفوظ ويوسف السباعي وإحسان عبد القدوس وغيرهم، وفي عام 1959 حصل سعد الله ونوس على الثانوية العامة وسافر إلى القاهرة في منحة دراسية للحصول على ليسانس الصحافة من كلية الآداب جامعة القاهرة، وأثناء دراسته وقع الانفصال بين مصر وسوريا فكان ثأثيره قويًّا عليه؛ لأنه تعلق بمصر وتتلمذ علي يد أساتذتها، فكتب بسبب هذا الانفصال أولى مسرحياته التي لم تنشر وهي «الحياة أبدًا». عاد ونوس إلى دمشق حيث عُيِّن مشرفًا على قسم النقد بمجلة «المعرفة» التي تصدر عن وزارة الثقافة، وخلال عمله بالمجلة أصدرت عام 1964 عددًا خاصًّا عن المسرح كتب فيه قسمًا عن مصر ودراسة عن مسرح اللامعقول عند توفيق الحكيم، وبعد ثلاث سنوات من عمله بالمجلة سافر إلى فرنسا لدراسة الأدب المسرحي في معهد الدراسات المسرحية التابع لجامعة السوربون. أثناء وجود ونوس في فرنسا وصلته أخبار نكسة 1967 فتأثر بها كثيرًا واعتبرها هزيمة شخصية له، وعبّر عن هذا في مسرحيته التي كتبها في العام التالي للنكسة بعنوان «حفلة سمر من أجل 5 حزيران» وقد حقق له هذا العمل المسرحي نجاحًا ملحوظًا في حياته الأدبية. في أواخر السبعينات كان أبداع ونوس نادرًا، بل كاد يكون منعدمًا، لكنه عاد في أوائل التسعينيات بمجموعة مسرحية سياسية سجلت اسمه على عالم المسرح والنضال السياسي معًا، بداية من مسرحية «الاغتصاب» التي تتمحور حول الصراع العربي الإسرئيلي مرورا ب«منمنمات تاريخية» و«طقوس الإشارات والتحولات» و«أحلام شقية» و«يوم من زماننا» وأخيرًا «ملحمة السراب» و«بلاد أضيق من الحب». وبدا سعد ونوس في العديد من أعماله المسرحية مؤرخًا للهزائم العربية، ويظهر فيها حبه الشديد للشعوب العربية وحرصه على وحدتها، فقد قال عن حرب الخليج: «أشك معها في أنها كانت السبب المباشر لإصابتي بمرض السرطان، وليس مصادفة أن يبدأ الشعور بالإصابة بالورم أثناء الحرب والقصف..». وفي 15 مايو 1997 توفى سعد الله ونوس بعد صراع مع المرض، وكانت تلك الفترة في حياته هي الأكثر إبداعًا وإنتاجًا بالنسبة إليه، خاصة عندما أخبره الأطباء أن حياته ربما لن تستمر لأكثر من بضعة أشهر في الحياة.