تحل علينا اليوم ذكرى وفاة الحلاج، أحد أشهر الشخصيات الصوفية، الذي قال "من ظن أن الألوهية تمتزج بالبشرية، أو البشرية تمتزج بالألوهية فقد كفر، فإن الله تفرد بذاته وصفاته عن ذوات الخلق وصفاتهم فلا يشبههم بوجه من الوجوه ولا يشبهونه بشيء من الأشياء وكيف يتصور الشبه بين القديم والمحدث ومن زعم أن الباري في مكان أو على مكان أو متصل بمكان أو يتصور على الضمير أو يتخايل في الأوهام أو يدخل تحت الصفة والنعت فقد أشرك..". ولد أبو عبد الله حسين بن منصور الحلاج في قرية الطور في الشمال الشرقي لمدينة البيضاء من مدن مقاطعة فارس بإيران، وفي طفولته كان لافتا للأنظار بذكائه ونقاء روحه، فقد حفظ القرآن في سن العاشرة، قضى صباه كله طلبا للعلم متنقلاً بين كتاتيب واسط في العراق، ثم انتقل إلى تستر، حيث درس على سهل ابن عبد الله التستريّ، ثم إلى البصرة لينشئ علاقة طيبة بعمرو بن عثمان المكّي الصوفي، ثم ترك البصرة قاصداً بغداد حيث بالشيخ الجنيد، ثم ذهب من بغداد إلى مكة لأداء فريضة الحجّ. لعل أبرز القضايا التي أثارها الحلاج في حياته وبعد موته، هي قضية الحلول والاتحاد التي ظهر أثرها في كثير من أقواله وأبياته الشعرية، فهو القائل: "يا أيها الظان لا تحسب أني أنا الآن، أو يكون أو كان، كأني هذا الجلد العارف وهذا حالي، لا بأس إن كنت أنا ولكن لا أنا"، وقوله أيضا: "أنا أنت بلا شك فسبحانك سبحاني"، و"توحيدك توحيدي وعصيانك عصياني"، وله كلمات عن فنائه وحلول محبوبه فيه قائلا: أنا من أهوى ومن أهوى أنا نحن روحان حللنا بدنا فإذا أبصرتني أبصرته وغذا ابصرته ابصرتنا وقامت الدنيا ولم تقعد، واتهموه بالكفر والزندقة، فأخذ يصحح للناس ما التبس عليهم من فكره، وأخذ يملي على تلاميذه عقيدته، قائلا: "إن الله تبارك وتعالى وله الحمد ذات واحدة، قائم بنفسه متفرد عن غيره بقدمه، متوحد عمن سواه بربوبيته، ولا يمازجه شيء، ولا يخالطه غيره، ولا يحويه مكان، ولا يدركه زمان، ولا تقدره فكرة، ولا تصوره خطرة، ولا تصوره نظرة، ولا تعتريه فترة..". ثم بين الحلاج أن ما يحصل للأولياء من الكشف والتجلي في أحوال الفناء لا يخرجهم عن العقيدة الصحيحة أبدا، وإنما ظهر وتجلى لأوليائه، فتجلى لمخلوقاته، فصاروا لا يرون شيئا حتى يروا الله معه، لا على سبيل الاشتراك، بل ظهر لهم في الأشياء كلها كما يظهر الصانع في مصنوعاته، وفي السادس والعشرين من مارس عام 922م صُلب حيا حتى فاضت روحه إلى بارئها، وفي اليوم التالي قطعت رأسه، وأحرق جثمانه، ونثر رماده في نهر دجلة، وقيل أن بعض تلاميذه احتفظوا برأسه.