ملف الانقسام الفلسطيني كان يشكل منذ أمد الخطر الأكبر على قضية العرب المركزية "فلسطين"، فلا صفوف موحدة بين فتح وحماس تشكل حاضنة حقيقية لمقاومة فاعلة ضد عدو يعرف كيف يرتب بيته الداخلي، بعد ذلك تطور الأمر لنسمع عن خلافات داخل كل حركة فلسطينية، فحماس يدور حديث عن انقسام ضمني فيها حول التعاطي مع إيران أو قطر، وبالنسبة لفتح لا يخفى على أحد الصراع بين الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، والنائب السابق بحركة فتح، محمد دحلان، واليوم يضاف إلى هذه الكوارث الفلسطينية عامل خطير قد يفتك حتى بما تبقى من مقاومة لدى الفصائل الفلسطينية، وهو نفوذ أطراف عربية وإسلامية مطبِّعة مع الكيان الصهيوني في صفوف الحركات المقاومة. تركيا وحماس تركيا التي وصفت ألمانيا بالنازية، وهولاندا بالفاشية، تسعى للضغط على حماس؛ لتتفاوض مع الكيان الصهيوني، وهو أكبر كيان عنصري وفاشي في العالم. فوزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، قال أمس الأربعاء "لقد مارسنا ضغوطًا على حركة حماس لإلقاء السلاح والدخول في مفاوضات مع إسرائيل، وأبدت الحركة استعدادها للاعتراف بها، وهي ملتزمة أيضًا بإجراء انتخابات تشريعية". وأكد أوغلو في لقاء عقده بمبنى الصحافة الوطني في واشنطن عشيّة انعقاد مؤتمر "التحالف الدولي لمحاربة داعش" في واشنطن، أن "آفاق انعقاد المفاوضات السلمية أضحت أكثر نضوجًا بعد تطبيع العلاقات بين البلدين"، مضيفًا أن "تركيا طبعّت علاقاتها مع تل أبيب، ونتائجها الإيجابية تعود على الطرفين، وأبرزها تسهيل مهمة الحوار مع الطرف الفلسطيني". رد حماس على التصريحات التركية كان خجولًا جدًّا، واكتفت بتمرير تصريح على مواقع إخبارية نسب إلى مصدر في حركة حماس، يقول فيه إنه جرى الضغط علينا للاعتراف بإسرائيل، لكن الحركة لم تستجب، وهنا لم يكلف خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أو حتى نائبه إسماعيل هنية عناء الرد الذي لا يحتمل التأخير على صلافة التصريحات التركية. حماس والشبهات لا يبدو أن حماس تبحث عن موقف تقي فيه نفسها من الشبهات، فمن حيث المبدأ للحركة الحق في تبني موقف سياسي معين لما يحدث في سوريا، وإن كانت حماس المستفيد الأول من النظام السوري قبل اندلاع الأزمة السورية، بل إن الحكومة السورية تعرضت لضغوطات أمريكية، وتلقت منها شيكًا على بياض لإغلاق مكاتب حماس في دمشق، لكن الحكومة السورية رفضت العرض، ولكن ما لا يحق لحماس أن تقوم به كحركة تصنف نفسها على أنها حركة "مقاومة" أن تنتقل من المحور السوري الإيراني لمحور النقيض، وهو المحور القطري التركي، فكيف لحركة مقاومة ضد العدو الإسرائيلي أن تتعايش مع دولتين قد طبعتا علاقاتهما مع الكيان الصهيوني؟! فقطر على سبيل المثال وفي شهر فبراير الماضي وصف رئيس لجنة إعادة إعمار غزة بها، القطري محمد العمادي، علاقاته مع المسؤولين الإسرائيليين ب"الممتازة". موقع "واللا" العبري، وخلال مقابلة صحفية أجراها مع العمادي، بوصفه "الوسيط القطري بين إسرائيل وحركة حماس"، ذكر أن العمادي على اتصال دائم بالمسؤولين الإسرائيليين، ومن بينهم منسق أعمال الحكومة في المناطق الفلسطينية الميجور جنرال يواف مردخاي. وفي تصريح لوزير خارجية قطر السابق، خالد بن العطية، والذي يشغل حاليًّا منصب وزير الدفاع القطري، أثناء مشاركته في مؤتمر الأمن الدولي فبراير 2014، وصف علاقة بلاده مع إسرائيل ب«علاقة الإخوة». وبالنسبة لتركيا على حماس أن تدفع ثمن اصطفافها معها، فالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يمضي قدمًا في توثيق علاقاته مع الكيان الصهيوني، وحماس نفسها أعربت عن ترحيبها بخطوات أردوغان التطبيعية مع إسرائيل، وتقديرها لجهوده لتخفيف الحصار عن قطاع غزة، في الوقت الذي رفضت حركة الجهاد الإسلامي الاتفاق. ويبدو أن حماس أغفلت بقصد أو بدون قصد نقطة جوهرية عندما رحبت بخطوات أردوغان، فالكيان الصهيوني ليس ساذجًا ليجعل من تقاربه مع أنقرة نقطة قوة لحماس، فتركيا كانت قد وضعت ثلاثة شروط لتطبيع العلاقات بين البلدين، وهي تقديم إسرائيل اعتذارًا علنيًّا عن الهجوم على "مافي مرمرة" عام 2010 والذي أدى إلى مقتل 10 نشطاء أتراك، ودفع تعويضات لأسر الضحايا، ورفع الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة، وتمت تلبية الطلبين الأولين جزئيًّا، لكن الثالث بقي العقبة الرئيسية لإبرام الاتفاق بين البلدين، وفي النهاية وكما هو متوقع تنازلت تركيا عن شرط رفع الحصار عن غزة. حماس من الداخل في البنية التنظيمية لحماس تتحدث تقارير عن أن هناك خطوات يتم تحضيرها، تتوافق مع التصريحات التركية، حيث ورد أن حماس تخطط لدعم قيام دولة فلسطينية في حدود 1967 – في خطوة تعتبر تغيرًا هائلًا عن سياسة الحركة بالسعي للعودة إلى فلسطين التاريخية – ولكنها لن تعترف بشرعية إسرائيل. وسيتم الإعلان عن السياسة الجديدة في تعديلات ميثاق الحركة التي ستصدر في شهر إبريل، بعد انتهاء الانتخابات لذراع الحركة السياسي، بحسب تقرير صحيفة الشرق الأوسط الثلاثاء الماضي، مشيرة إلى مصادر داخل حركة حماس، وورد في التقرير أن التغيير بالسياسة يهدف للتقرب من شركاء إقليميين ودوليين، مثل مصر. اللافت أيضًا أن مواقع إخبارية تابعة لحماس كموقع شهاب بدأت في الترويج لمقاطع فيديو للشهيد أحمد ياسين، يقول فيها إنه موافق على إقامة دولة فلسطينية على حدود 67 مقابل الهدنة مع الكيان الصهيوني، ومع اختلاف الزمان والمكان اللذين قال فيهما الشهيد ياسين تصريحاته، فمجرد اغتياله من العدو الإسرائيلي، فهو مبرر كافٍ لرفض إسرائيل أي نوع من أنواع الهدنة، وبالتالي تصريحات ياسين كأن لم تكن، خاصة أن تل أبيب نسفت حاليًّا حل الدولتين لصالح الدولة اليهودية. ويرى مراقبون أن حماس إذا استمرت في النهج الحالي، فلن تختلف عن حركة فتح، التي تخلت عن الخيار المسلح في مواجهة الكيان الصهيوني، وهو الأمر الذي تعززه تحركات لحماس، تحاول من خلالها الانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية؛ بزعم أنها خطوة باتجاه المصالحة.