دون عودة الدولة لدعم السينما لا أمل في استعادة دور مصر لن أقدم تنازلات فكرية أو فنية حتى أتواجد في سوق السينما يعتبر المخرج سيد سعيد أحد منظري السينما بمصر والعالم العربي. قدم عددًا كبيرًا من المسلسلات للتليفزيون المصري وعشرات الأفلام الوثائقية والتسجيلية ومسلسلات الأطفال، إلا أن تجربته في فيلم القبطان عام 1997بطولة محمود عبد العزيز أثارت جدلًا واسعًا وقتها؛ بسبب اللغة السينمائية شديدة الخصوصية، وحصل الفيلم على عشرات الجوائز العالمية، ومؤخرًا انتهى سعيد من فيلم عن رائد الصناعة المصرية طلعت حرب، يحمل اسم "تعظيم سلام"، إنتاج المركز القومي للسينما، والذي أثار أيضًا جدلًا كبيرًا.. "البديل" التقى المخرج سيد سعيد في حوار حول أعماله وأهم القضايا التي تهم السينما المصرية والعربية.. كانت بداياتك الأولى تشير إلى اهتمامات بالموسيقى، ثم تحولت إلى السينما، ماذا عن هذا التحول؟ البدايات كانت في مدينتي بورسعيد، وكنت أعيش في أسرة بسيطة.. أبي يعمل بحارًا، ويقضي أوقاتًا طويلة بدون عمل، وكنت مفتونًا بالموسيقى وبهؤلاء الذين يقرءون حروفًا ليست من أي لغة، لكنها تترجم إلى نغمات رائعة، عرفت بعد ذلك أنها النوتة الموسيقية. تقدمت لتعلم الموسيقى، لكن المدرب طلب مني إحضار آلة للعزف عليها، ونظرًا للوضع الاقتصادي الصعب لم أتمكن، لكنني لم أحبط، وتعلمت فيما بعد العزف على خمس آلات موسيقية وكتابة النوتة والسلم الموسيقي، ثم درست في المعهد العالي للسينما قسم الإخراج، وأكلمت الدراسات العليا، حتى حصلت على الدكتوراه في الإخراج السينمائي. أثار فيلمك الأخير عن طلعت حرب جدلًا واسعًا، سواء في المركز القومي للسينما أو النقاد، وحتى الآن لم يرَ النور، ماذا عن هذه التجربة؟ الموضوع بدأ بتكليفي من المركز القومي للسينما بعمل فيام تسجيلي عن شخصية صناعية مصرية، وتم اقتراح ثلاث شخصيات، وفضلت طلعت حرب، وكان الاتفاق أن يكون الفيلم ربع ساعة فقط، لكنني عندما بدأت العمل، اكتشفت أن شخصية طلعت حرب تحتاج إلى ساعات عديدة وليس ربع ساعة، خاصة أنني تناولت تجارب النهضة المصرية الثلاث التي تم إجهاضها، وهي تجربة محمد علي وطلعت حرب وجمال عبد الناصر، وأشرت في الفليم إلى التفريط في منجزات طلعت حرب من خلال تصفية وبيع القطاع العام، وتحول الفليم من ربع ساعة كما كان مقترحًا إلى ساعتين، وتحول من فيلم تسجيلي تقليدي إلى فيلم "عابر للنوعية"، استخدمت فيه كافة الوسائل والتكنيك السينمائي، وانتهينا من كل مراحل الفيلم، وتم تسليمه إلى المركز القومي للسينما، لكنهم انزعجوا من مدة الفليم ومن جرأته، حتى إن أحد النقاد كتب أن مخرجًا يساريًّا يصنع فيلمًا عن رجل أعمال، وقمت بتصدير مقالته في الفليم؛ حتى أعلن للمشاهد أن تجربة الرأسمالية الوطنية التي قادها طلعت حرب تستحق الاستلهام مجددًا، خاصة وأننا تناولنا الفليم من رؤية وطنية خالصة، وما زال العمل حبيسًا حتى الآن، ولا نعلم هل سيخرج للنور أم لا، ومتى سيخرج. كانت تجربة فيلم القبطان قفزة سينمائية، لكنك ابتعدت عن السينما من بعدها، ما أسباب هذا الابتعاد؟ فيلم القبطان حصل على العديد من الجوائز العالمية، وكتب عنه أهم نقاد السينما في العالم، وبعد الفيلم كانت لديَّ عدة مشروعات لأفلام، لكن معوقات عديدة حالت دون إتمامها، منها الإنتاج وعوامل السوق، وأنا لا أقبل أن أقدم تنازلات من أجل صناعة فيلم لا أرضى عنه، وأنا ربيت شقيقي الراحل محمد السيد سعيد على مبادئ، فكيف لي أن أخونها؟! تصر دائمًا على كتابة أعمالك بنفسك، فهل هذا يمثل عائقًا أمام وجودك في سوق السينما؟ ظاهرة المخرج المؤلف أصبحت هي السائدة في العالم الآن، ولا يمكن لمخرج أن ينقل رؤية كاتب بسهولة، والأفضل أن يكتب المخرج بنفسه، ومصر عرفت هذا النوع من المخرجين، وهم شادي عبد السلام وخيري بشارة وأنا. وتلك النوعية من المخرجين ستكون مسيطرة على صناعة السينما في العالم، كما أني أقوم بوضع موسيقى أعمالي ورسم الديكور كاملًا، وأحيانًا الملابس؛ حتى تكون الرؤية متوافقة في العمل. كيف ترى صناعة السينما بمصر الآن؟ وهل تجد مخرجين جددًا يستحقون التوقف عندهم؟ صناعة السينما أصابها العطب كما أصاب المجتمع كله، والسينما العالمية في وادٍ ونحن في وادٍ آخر، ربما أهم ما يواجه السينما من تحدٍّ هو الإنتاج وسيطرة معايير السوق في كل الأعمال. ولإنقاذ السينما من كبوتها يجب أن تعود مؤسسات الدولة إلى دعم الصناعة بشكل حقيقي؛ حتى يتمكن المخرجون الجادون من تقديم أعمال تليق بمصر وتاريخها في ذلك المجال. لك العديد من الكتابات والدراسات في السينما، لماذا لم تقم بجمعها فى كتاب ليبقى للأجيال القادمة؟ أنا منشغل منذ سنوات بالكتابة في السينما وعنها، ونشرت مقالات في كبرى الدوريات العالمية، ولديَّ 7 كتب جاهزة للطبع، لكن ضيق الوقت وعدم اهتمام دور النشر بالكتابة الأكاديمية عن السينما عائقان أمام خروجها إلى النور، وأتمنى أن يأتي اليوم ليتحقق هذا الحلم. وبالإضافة للكتابة أنظم ورشًا حول سينما المؤلف في عدد من المواقع الثقافية والفكرية والسياسية؛ لصياغة وعي الأجيال الشابة، وتتضمن تلك الورش تدريب السينمائيين الشباب على إتقان الكتابة والموسيقى والديكور والمونتاج، فلا يعقل أن يكون مخرج سينمائي لا يتقن تلك الفنون. وأعتبر أن الرسالة التي أقوم بها الآن هامة وجوهرية للنهوض بالسينما.