ذكر تقرير صدر مؤخرا عن موقع "ميدل إيست اي" البريطاني، نقلا عن مصدر مجهول، أن باكستان سترسل وحدة عسكرية مقاتلة إلى المملكة العربية السعودية لحماية الحدود الجنوبية للمملكة من هجمات حركة أنصار الله في اليمن. وعلى الرغم من نفى وزير الدفاع الباكستاني، خواجا آصف، تلك التقارير، لكنه ذكر في مقابلة مع قناة محلية في 15 مارس الماضي إن المحادثات بين إسلام أبادوالرياض تجري حاليا في هذا الصدد: وقال "لم يتم بعد اتخاذ القرار النهائي لإرسال قوات إلى السعودية". من المهم ملاحظة أن تقرير الموقع البريطاني يفيد أيضا أن الكتيبة العسكرية الباكستانية ستبقى داخل حدود المملكة ولن تستخدم خارج الحدود السعودية. بالتأكيد قرار باكستان بنشر قوات في السعودية قد يكون مفاجأة لأن البلاد على مدى العامين الماضيين تحاول الابتعاد عن النهج التقليدي لدعم المملكة على حساب علاقاتها مع إيران. علاقات تاريخية مع السعودية: تبرز باكستان كعامل عسكري مهم في الخليج وسط كفاحها لتحقيق التوازن بين العلاقات المعقدة مع المنافستين الإقليميتين السعودية وإيران. يذكر أن مشاركة باكستان العسكرية مع دول الخليج تتجاوز بكثير مشاركتها في التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في حربها ضد اليمن، لكن يشتبه على نطاق واسع أيضا أنه محاولة من المملكة للحصول على دعم لهذا التدخل المضطرب في اليمن وإنشاء حلف سني معادي لإيران. باكستان جنبا إلى جنب مع تركياوالصين تبرز أيضا كمورد أكثر فعالية من حيث التكلفة للمعدات العسكرية إلى منطقة الخليج التي هي موطن لأكبر مستوردي الأسلحة في العالم. "لا يمكنك تحمل هذه العقود المكلفة جدا مع الشركات الغربية، ما ستفعله دول الخليج هو الذهاب نحو مقاولين أرخص. هذا هو السبب أنهم يتطلعون نحو الصين، باكستان وتركيا – إنها خطوة طبيعية"، قال أندرياس كريغ، أستاذ في أكاديمية الدفاع البريطانية لصحيفة "ذا ناشيونال". المشاركة الباكستانية في الشرق الأوسط لها تاريخ طويل. أرسلت باكستان طيارين عام 1969 لقيادة طائرات نفاثة تابعة لشركة "لايتنينج" السعودية التي صدت عملية توغل في جنوب اليمن على الحدود الجنوبية للمملكة. في السنوات السابقة، ساعدت باكستان المملكة على بناء أول طائراتها الحربية وتدريب الطيارين السعوديين. وقد نفذ طيارون باكستانيون مهمات جوية أخرى دفاعا عن حدود المملكة السعودية خلال حرب الشرق الأوسط عام 1973. وقد عززت باكستان موقفها على مدى السنوات التالية في 22 بلدا. تقدم باكستان حاليا تدريبا عسكريا للقوات المسلحة في مختلف دول الخليج، ويخدم الآلاف الباكستانيون في عدة جيوش بمنطقة الخليج، بما في ذلك كتائب كاملة من الباكستانيين في الجيش السعودي. تاريخيا، في السبعينيات، تم إرسال القوات الباكستانية المقاتلة إلى المملكة بعد أن هاجمت مجموعة من المسلحين السعوديين المسجد الحرام في مكةالمكرمة عام 1979. وبحلول منتصف الثمانينيات، تحولت معظم الوحدات الباكستانية إلى المنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية، التي هي موطنا لحقول النفط في المملكة. وكانت وحدات للقوات الجوية الباكستانية متمركزة على ساحل الخليج الشمالي لحماية الحقول من تداعيات الحرب الإيرانيةالعراقية. تم إرسال المزيد من القوات الباكستانية في عام 1990 لحماية المدن المقدسة في المملكة في إطار تحايل قام به الجيش الباكستاني لتحقيق ميل رئيس الوزراء نواز شريف لضم وحدة باكستانية في التحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة لإنهاء احتلال العراق للكويت . ومن المفارقات أن السيد نواز شريف، بعد 25 عاما، يبدو أنه سيقوم بالتحايل أيضا لكن هذه المرة على رفض البرلمان عام 2015 المشاركة بقوات في الحرب السعودية ضد اليمن، من خلال اعتبار أنه طالما بقيت القوات الباكستانية على الجانب السعودي من الحدود، فإن ذلك لن ينتهك قرار البرلمان الباكستاني. على الرغم أن باكستان هي المستفيد الأول في العالم من الهبات السعودية واعتمادها على التحويلات المالية من العمال الباكستانيين في المملكة، قوبل استعداد السيد شريف للامتثال للطلب السعودي بشأن اليمن بمعارضة أيضا من قبل قادة الوحدات الباكستانية، بما في ذلك الفريق قمر جاويد باجوا قبل أن يتولى منصب القائد العام للجيش الباكستاني خلفا للجنرال رحيل شريف. على النقيض من الجنرال باجوا، يعتقد أن الجنرال شريف كان يفضل إرسال قوات لدعم السعودية. وربما لذلك كوفئ الجنرال شريف على دعمه بتوليه قيادة التحالف العسكري الذي مقره الرياض، ويطلق عليه التحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب. حذر زعماء وسياسيون من الشيعة والسنة في باكستان من أن تعيين الجنرال رحيل قائدا للتحالف العسكري ضد اليمن يضع باكستان في معسكر مواجهة بقيادة السعودية مع إيران وسيضع حدا لقدرة باكستان في متابعة نهج السير على خط رفيع ناعم بين السعودية وإيران. علاقات متطورة مع إيران: يأتي الانتشار المحتمل للقوات وتعيين الجنرال رحيل في الوقت الذي يشكل فيه البرلمان الباكستاني علاقات أوثق مع نظيره الإيراني في محاولة لتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي. ويأتي ذلك أيضا في أعقاب ترحيل السعودية ل 39 باكستاني كجزء من حملة ضد المسلحين. وقد تساعد الاعتبارات التالية على توفير فهم أفضل لهذا التطور في العلاقات الإيرانية الباكستانية، من بينها أن مشاركة السعودية مع منافسة باكستان التاريخية، الهند قد تعمقت في السنوات الأخيرة، حيث يتوقع كلا البلدين إقامة منشآت لتصنيع معدات دفاعية مشتركة. هذا أمر تتابعه باكستان عن كثب، لكن من غير المرجح أن تعرب عن تحفظاتها لأن القيام بذلك لن يعني شيئا أكثر من مجرد توبيخ أو إحراج لإسلام أباد لأن الرياض ليس من المرجح أن تولي اهتماما لأي من مخاوف باكستان وستمضي قدما. وبالنسبة لإسلام آباد، استجابة للتغيير السريع في المشهد الاقتصادي والجغرافي السياسي والأمني يتطلب تعاون إسلام آباد مع كل من إيران والسعودية. وعلاوة على ذلك، يسلط هذا الضوء أيضا على أنه على عكس ما حدث في الماضي، لن تختار إسلام أباد بين طهرانوالرياض أو تفضل بلد ما من جهة أخرى. بطريقة ما، من المرجح أن تمارس باكستان حيادها من خلال المشاركة في مصالح البلدين على نحو مماثل. في السابق لم يكن لدى باكستان الوسائل الاقتصادية اللازمة للإساءة لحليفتها الطويلة، السعودية. ومع ذلك، ومع وجود فرص اقتصادية جديدة في الأفق، وجدت باكستان المساحة التي تشتد الحاجة إليها للمناورة بين طهرانوالرياض. ومن الواضح أن باكستان تدرك أن إمدادات الغاز في إيران، بدلا من النفط في المملكة، ستشكل مسار مستقبل الطاقة في البلاد. قال احد المحللين السياسيين الباكستانيين أن "الحكومة والجيش يمشيان على حبل مشدود بين إيران والسعودية يوازن سواء من الناحية الداخلية أو من حيث الجغرافيا السياسية". إستراتيجية الموازنة: تقييم التكلفة والفوائد لنهج السياسة الخارجية المعتمد حديثا في باكستان والذي ينطوي على السير في حبل مشدود بين الجهود المبذولة للحفاظ على علاقات البلاد القديمة والقيمة مع المملكة في الوقت الذي تتوجه فيه إلى طهران من خلال مراعاة مصالحها علنا، يدل على أن إسلام أباد لن تذهب في اختيار بلد على حساب الآخر. فبينما تفكر باكستان في إرسال قوات إلى السعودية، فإن قيادة البلاد قد تواصلت مع وإيران من أجل التخفيف من مخاوفها، والتي في الماضي لم تكن لتهتم باكستان في القيام بذلك. وعلاوة على ذلك، توجه الرئيس الإيراني حسن روحاني الأسبوع الماضي إلى باكستان للمشاركة في قمة منظمة التعاون الاقتصادي في إسلام اباد. وفى وقت سابق من هذا الأسبوع، أشار رئيس الجيش الباكستاني الجنرال قمر جاويد باجوا خلال اجتماعه مع السفير الإيراني إلى "تعزيز التعاون العسكري بين باكستان وإيران". وتفيد التقارير أنه من المتوقع أن تقوم لجنتان برلمانيتان من إيران وباكستان بزيارة مشتركة إلى ميناءي تشابهار الإيراني وجوادار الباكستاني في محاولة لتسليط الضوء على أن كلا البلدين لا يحاولان تقويض مصالح بعضهما البعض بتطوير هذه الموانئ. وفى الوقت نفسه قال مستشار رئيس الوزراء الباكستاني للشؤون الخارجية، سارتاج عزيز، في بيان له أن "باكستان تدعم وحدة الأراضي اليمنية والكفاح من اجل السلام". لذلك خلافا لبعض الافتراضات التي تنظر إلى نشر باكستان لجيشها إلى السعودية على أنها مجرد استمرار للسياسة التقليدية القديمة في البلاد لدعم المملكة، فإن التطورات التي تم الإبلاغ عنها مؤخرا تمثل مؤشرا واضحا على أن إسلام آباد قد غيرت تفكيرها السياسي تجاه السعودية من خلال الحفاظ على المملكة قريبة في حين التأكد أن البلاد لا تدفع إيران بعيدا، التي على المدى الطويل يمكن أن تقوض المصالح الاقتصادية والأمنية في إسلام أباد.