تعاني مصر في الفترة الأخيرة من مجموعة من الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، التي بدورها أثرت على مناحي الحياة المختلفة، ومنها قطاع الكتب بشكل كبير. صاحب هذه الأزمة بروز أشكال أخرى للكتاب، أتاحت لهواة القراءة التغلب على أسعار الكتب، التي ارتفعت بشكل جنوني، بعد قرار تحرير سعر الصرف؛ نتيجة ارتفاع أسعار الخامات اللازمة للكتب. شملت هذه الأشكال، التي انتشرت منذ فترة، طغيان الكتب الإلكترونية "كتب pdf"، إضافة إلى الكتب الصوتية، والتي يقوم فيها مجموعة من الأشخاص بقراءة كتاب ما وتسجيله ثم نشره للجمهور، وهي وسيلة لمن لا يستطيع القراءة لأسباب كثيرة، مثل فقد البصر أو غيره. ومع التطور التكنولوجي وتغير سبل الحياة أصبح الكتاب الصوتي عبارة عن مادة إثرائية، تُستخدم للتغلب على ضيق الوقت، واستثمار الزحام بقراءة كتاب دون حمله بين اليدين. وتعتبر الكتب الصوتية واحدة من أشهر التقنيات المستخدمة حديثًا، والتي تهافت عليها الكثير من المواقع العربية، التي تنتج كتبًا صوتية مسجلة بتقنيات وجودة ممتازة، وما زاد من قوة انتشار واستمرار الكتب الصوتية الإقبال العربي الكبير عليها، بعد أن صارت الكتب الورقية شبه مهجورة لضيق الوقت غالبًا. ورغم أن الظاهرة لها جوانب إيجابية كثيرة، منها أن القراءة أصبحت متاجة للجميع في كل وقت ومكان دون التقيد بالكتاب المحمول، وأن الأجيال القادمة إن عاجلًا أو آجلًا ستسغني عن الكتاب المقروء في ظل التقدم والتطور التكنولوجي، فضلًا عن فائدتها الكبيرة للمكفوفين خصوصًا، إلا أن البعض أكد أنها لن تطغى على الكتاب المطبوع؛ لأن الكثير من القراء لا يشعرون بمتعة القراءة إلا من خلال كتاب في أيديهم. الكاتبة أميرة عز الدين تقول ل "البديل" إن ظاهرة طغيان الكتاب الإلكتروني لن تقدر على إخفاء الكتاب الورقي من السوق، مرجعة السبب في ذلك إلى أنه مهما ظهرت من مستحدثات في سوق الكتب، يظل بعض القراء يهرعون إلى الكتاب الورقي مفضلهم الأول، موضحة أن هناك بعض الناس الذين يفضلون الكتاب المطبوع عن غيره من الأنواع الأخرى. ومن جانبه قال الكاتب أيمن عثمان، ل "البديل" إن الكتاب المطبوع محمي بمتعة القارئ في تملكه بين يديه وتقليب أوراقه بأصابعه ورائحة الورق والحبر التي أدمنها، مشيرًا إلى أن الكتاب المطبوع له خصوصية لا تغني عنها ال pdfوالنسخ المسموعة. وأضاف عثمان أن أكبر خطر في الوضع الاقتصادي السيئ حاليًّا هو ظهور نسخ الكتب المقلدة بشكل كبير على السطح، والتي بدورها تؤثر بشكل مباشر على صاحب الكتاب الأصلي ودار النشر ، الأمر الذي يتسبب في خسائر كبيرة. وأكد الكاتب عاطف عبد الفتاح أن الكتاب الإلكتروني والصوتي يمثل تطورًا للعصر، لا عدوًّا للثقافة، مشيرًا إلى أن عادتنا دائمًا مع كل جديد أن يثير قضية انقراض ما سبقه، وهو ما حدث عند ظهور الكمبيوتر وأنه سيقضي على التليفزيون، والإنترنت الذي سيسقط الكتاب من عرشه، وحتى في مجال الصحافة أثيرت قضية المواقع الإخبارية التي ستطيح بالصحف الورقية.. وهذه مشكلتنا لا نقبل بالجديد على أنه إضافة، وإنما خصم ومنافس، ولكن الواقع قال كلمته: فلا الكمبيوتر قضى على التليفزيون، ولا الإنترنت أسقط الكتاب.. وأضاف: نحن هنا نتكلم عن كتاب في أشكال جديدة.. فقط الاختلاف في الوعاء الذي تقدم فيه الثقافة، من ورق نقلبه لشاشة نقرأ منها، وفي الحالين هناك قراءة، وهذا هو المهم.. أن الهدف تحقق من نقل الثقافة والفكر، والأهم أنه حتى لو لم تكن هناك هذه التقنيات الحديثة، فإن الكتاب المطبوع في حد ذاته مهدد منذ سنين، والناشرون يعانون من قلة المشترين لكتبهم، وزاد الأزمة الغلاء الفاحش في سعر الكتاب، والمعرض الأخير أكبر مثال، حيث ذهب بالفعل القراء لشراء الكتب الورقية؛ لجدوا أنفسهم قد تحولوا إلى مشاهدين لأغلفة الكتب، بعد صدمة غلاء الأسعار التي فاقت قدرات وتصور القراء. وأوضح عبد الفتاح أن التعامل مع هذه القضية بالنسبة للناشر هو أن يكون شريكًا في النشر الإلكتروني، وهو ما حدث منذ فترة مع كثير من الناشرين، حيث تعاملوا معه كواقع يمكن استثماره، وبالنسبة للقارئ والمواطن عمومًا فقد تعود في المواصلات على فتح موبايله لاستهلاك الوقت؛ لذا من حقه أن يجد الكتاب الإلكتروني بجانب الفيس والألعاب، وبجانب الكتاب المطبوع، بلا أي مزاحمات ولا خصومات، فهذا هو منطق العصر، خاصة أن الكتاب الصوتي فيه إلقاء، فيعود الأذن على اللغة العربية الفصحى؛ حيث إن اللغة سماع.