الشيء الوحيد اللافت للانتباه بشأن الحدود البرية لأيرلندا هو غيابها، فلا توجد أي أسوار تحددها بطول 310 أميال، كما أنه لا توجد أسلاك شائكة ولا نقاط تفتيش، كل ما يغطي أيرلندا وأيرلندا الشمالية الحقول والتلال المغطاة بالضباب على الجانبين. والآن في أعقاب استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والمتوقع أن يحدث قبل صيف عام 2019، ربما تعود الحدود إلى السياسة الأيرلندية، فالمقاطعات الحدودية المتموجة ستصبح تابعة للاتحاد الأوروبي، مما يثير احتمال التفكك والعنف والتفكك السياسي في أيرلندا وفي بريطانيا أيضًا. في 2 مارس عقدت الانتخابات البرلمانية في أيرلندا الشمالية، والمسؤولة عن قضايا تقاسم السلطة في الصحة والتعليم، وظاهريًّا هذا التصويت هو الثاني في أقل من عشرة أشهر، بسبب فضيحة الانفاق على تجديد التدفئة. صوت ما يقرب من 56% من سكان أيرلندا الشمالية في استفتاء يونيو الماضي على بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، إلا أن الحكومة في بيلفاست كانت منقسمة، فقرر حزب الشين فين، حزب الجيش الجمهوري الأيرلندي للبقاء، أما حزب الاتحاد الديمقراطي فدعا للانفصال، ودعم حملة مغادرة الاتحاد الأوروبي بنصف مليون جنيه استرليني. ووفقًا لنظام تقاسم السلطة المعقد في أيرلندا الشمالية، لا يمكن للحكومة العمل إذا رفض أكبر حزبين المشاركة، ومنذ استفتاء الخروج تدهورت العلاقات بين الوحدويين الديمقراطيين والشين فين، لدرجة أن الكثير يشكون من أن الطرفين يمكنهما العودة إلى ائتلافهما الإلزامي بعد الانتخابات، وما هو أكثر قلقًا أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يقوض الفرضية الأساسية التي تقوم عليها عملية السلام الأيرلندية الشمالية، حيث احترام التنوع. ما سيحدث ليس عجزًا ديمقراطيًّا فقط، بل سيكون اقتصاديًّا أيضًا، لأن أيرلندا الشمالية هي المنطقة الأكثر فقرًا في بريطانيا، وأصبحت متكاملة بشكل متزايد لانضمامها مع جمهورية أيرلندا، وانتشرت التجارة عبر الحدود، خاصة في مجال الزراعة الذي نما بشكل مطرد، ونشأت سوق موحدة للطاقة، بدأت تلمس ثمارها من اتفاق الجمعة العظيمة عام 1998، والذي أنهى 30 عامًا من العنف الطائفي. منذ نحو عقدين تراجعت أيرلندا الشمالية بهدوء عن الوعي القومي البريطاني، وتم استبدال الصمت مكان التقارير التليفزيونية للتفجيرات والقتل. رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، وعدت بأنه لا عودة إلى حدود الماضي، والآن تقول إن الحدود الأيرلندية ستكون خالية من الاحتكاك، بقدر الإمكان، وهذا يعني من الناحية العملية أن جيمسي بركنشاير، وزير الدولة لشؤون أيرلندا الشمالية، على وعي بما سيحدث، حيث أشار إلى قول ماي، بتأكيده "ماي على وعي بمخاوفكم". الوعي وحده لن يحل المشكلة، أو المشاكل الأوسع نطاقًا، حيث إن نحو 300 طريق يعبر الحدود الأيرلندية ولكن الحل يمكن أن يكون نظريًّا، حيث إن أيرلندا ليست جزءًا من منطقة "حرية السفر" الأوروبية، التي وضعتها اتفاقية شنغن. اقتصاديًّا أيرلندا الشمالية غير مستقرة بحيث تحتاج إلى نقل حوالي 10 مليارات جنيه استرليني سنويا، من وستمنستر، وسيكون ذلك بمثابة ضربة مبرحة لها، لأنه في إطار الترتيبات سوف تستلم فقط 500 مليون يورو سنويًا من الاتحاد الأوروبي، وحتى عام 2020، وبعد ذلك لا أحد يعرف ماذا سيحدث، كل ذلك سيهز القارة الأوروبية. يظهر منطق الاستبداد مرة أخرى بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ويهدد التوازن الديمغرافي الذي قد يزعزع استقرار أيرلندا الشمالية، حين تأسست الدولة المقسمة حديثًا في عام 1921، كان ثلثا السكان من البروتستانت، واليوم ما يقرب من نصف الشعب من الكاثوليك. تم الترويج لمغادرة الاتحاد الأوروبي على أنه فرصة لاستعادة بريطانيا أمجادها السابقة، ولكنه قد يكون الآن نهاية آخر بقايا الإمبراطورية أو المملكة المتحدة نفسها. يسعى الاسكتلنديون الراغبون في البقاء مع الاتحاد الأوروبي إلى استفتاء جديد على الاستقلال عن بريطانيا، ويبدو أن الوحدة الأيرلندية لن تدوم طويلًا، ولا مفر من ذلك، كل هذا يثير التساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة البريطانية تهتم حقًّا بالاتحاد. كانت دائمًا المملكة المتحدة مؤسسة واقعية، تعقد الصفقات بين المشاركين لتحقيق المكاسب التجارية والعسكرية، وجمعت الغنائم من ويلز واسكتلندا وأيرلندا لعدة قرون، إلا أن هذه السندات تتدهور سريعًا، خاصة مع انقسام السياسية البريطانية. نيويورك تايمز