في الوقت الذي تحاول فيه تركيا الإمساك بكافة خيوط اللعبة السياسية في المنطقة، ومغازلة الإدارة الأمريكية الجديدة، التي رأى فيها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، فرصة لإعادة التقارب وتحقيق الأهداف والأحلام التركية في المنطقة، خاصة مع وجود بعض نقاط التلاقي بين الطرفين، وأهمها الأزمة السورية، جاء الوقت لتفتح السلطة التركية ملف تسليم أمريكا للداعية "فتح الله جولن" من جديد. قال رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، إن بلاده ترى أن الإدارة الجديدة للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أكثر تفهمًا وحساسية تجاه قضية تسليم عالم الدين المقيم في الولاياتالمتحدة، فتح الله جولن، الذي يعيش في منفاه الاختياري في بنسلفانيا بالولاياتالمتحدة منذ عام 1999، وفي خطاب لنواب من حزبه الحاكم "العدالة والتنمية" في البرلمان، أضاف "يلدريم" أن المحادثات مستمرة مع المسؤولين الأمريكيين بشأن تسليم "جولن" الذي تتهمه أنقرة بتدبير محاولة انقلاب في تركيا يوليو الماضي. هذه التصريحات التركية فسرها الكثير من المراقبين على أنها رسالة تودد تركية إلى أمريكا؛ من أجل التعاون مع السلطات في أنقرة وتسليم المعارض التركي، الذي أثار أزمة مسبقة بين أنقرةوواشنطن في عهد الرئيس السابق، باراك أوباما، الذي رفض تسليمه لتركيا، التي رأت في إدانة جولن بالانقلاب شقًّا جنائيًّا، فيما رأت واشنطن فيه "متهمًا سياسيًّا"، ولا يجوز تسليمه وفقًا لنص المادة الثالثة التي لا تجيز تسليم المطلوبين بين البلدين بسبب آرائهم السياسية، الأمر الذي نتج عنه تدهور العلاقات بين الطرفين خلال الشهور الأخيرة من عهد "أوباما". تصريحات "يلدريم" لم تكن الأولى التي توجهها أنقرة إلى واشنطن في هذا الشأن، فطالما كانت مطالبات تركيالأمريكا بتسليم "جولن" على رأس أي تصريحات من المسؤولين الأتراك، حيث سبق أن أبلغ رئيس الوزراء التركي نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، على هامش مؤتمر الأمن في ميونيخ، الذي عُقد الأحد الماضي، أن تسليم "جولن" سيفتح صفحة جديدة في علاقات البلدين، كما تكرر هذا المطلب قبيل ساعات من تنصيب "ترامب" رئيسًا في 20 يناير الماضي، حيث قال "يلدريم" حينها: نأمل فى اتخاذ خطوات فى المقام الأول لتسليم جولن، مهندس محاولة الانقلاب الجبانة، والتوقف عن منح الدعم للمنظمات الإرهابية باسم محاربة داعش. في إشارة إلى الدعم الذي تقدمه الولاياتالمتحدة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ووحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، والتي تصنفها أنقرة كمنظمات إرهابية. كما أكدت صحيفة "واشنطن بوست"، مطلع فبراير الجاري، أن المكالمة الهاتفية الأولى التي تمت بين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، واستمرت لمدة 45 دقيقة، تم التباحث خلالها حول موضوعين مهمين بالنسبة لأنقرة، هما تسليح الأكراد وتسليم جولن، وقالت الصحيفة إن استجابة "ترامب" للمطلبين في وقت واحد قد يتسبب بمشكلة للإدارة الأمريكية الجديدة التي تجد الكثير من منتقديها داخليًّا وخارجيًّا. مُطالبات "يلدريم" المتجددة بتسليم "جولن" تزامنت مع نفي المتهم الرئيسي في محاولة اغتيال الرئيس التركي، جوهكان سونمازاتش، الاتهامات الموجهة إليه بالانتماء إلى جماعة الداعية "فتح الله جولن"، مشيرًا إلى أن جولن لا يعني له أي شيء، وأقر المتهم في الوقت نفسه بأنه تلقى أوامر باعتقال أردوغان ليلة الانقلاب الفاشل خلال تواجده في أحد فنادق مدينة مرمريس ونقله إلى أنقرة، لكنه عاد ونفى أمام المحكمة الجنائية في مدينة "موغلا" تلقيه أوامر بقتل أردوغان. من جانبها رأت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية أن المسؤولين الأتراك أكثر اطمئنانًا للرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، لأن فرص موافقته على ترحيل "جولن" إلى أنقرة أكبر من فرص موافقة الرئيس السابق "أوباما"، كما أن حياة جولن في ظل ترامب ستكون أكثر صعوبة، على الأقل لأن الداعية الإسلامي قدم تبرعات لحملة "هيلاري كلينتون" التي كانت تنافس "ترامب" خلال الانتخابات الأمريكية، وهو الأمر الذي قد يضع "جولن" في دائرة التحقيق والاستجواب، وهو أيضًا ما يمكن أن يستغله "ترامب" لإظهار محاولة إرضاء أنقرة. في الوقت نفسه قال العديد من المراقبين إن تسليم "جولن" شخصيًّا لأنقرة لن يتم على الأقل في الوقت الحالي، حيث رأوا أنه ليست هناك مؤشرات تدل على تغيير في موقف واشنطن من هذه القضية، وأرجعوا تفاؤل تركيا إلى تصريحات الفريق، "مايكل فلين" الذي عينه "ترامب" مستشار للأمن القومي بعد تنصيبه، والتي قال فيها إن قوى الإرهاب الراديكالي تستمد أيديولوجيتها من أشخاص ك"جولن"، وإنه على الولاياتالمتحدة ألا تؤويه، لكن مع استقاله "فلين" على خلفية اكتشاف تنسيقه مع روسيا بشأن العقوبات الأمريكية المفروضه عليها، يصبح الأمر صعبًا بعض الشيء، خاصة أن ترامب يدرك جيدًا أن "جولن" لديه فريق قوى من المحامين الذين يدركون جيدًا نقاط قوة وضعف القانون الأمريكي، وبإمكانهم منع إدانة الداعية الإسلامي، الأمر الذي يجعل "تسليم جولن" مجرد ورقة ضغط أمريكية على تركيا يمكن أن تستغلها وقتما تريد فقط.