نشاط دبلوماسي ملحوظ أطلقته المغرب مؤخرًا، ظهر في جولات وزيارات الملك المغربي، محمد السادس، للعديد من الدول الإفريقية، وذلك بعد نجاح الرباط دبلوماسيًّا في العودة إلى أحضان الاتحاد الإفريقي، ويبدو أن الملك محمد السادس عقد النية على تعويض ما فاته من دعم إفريقي لبلده، ومواجهه الجزائر بسلاح الدبلوماسية التوسعية في الدول الإفريقية. بدأ ملك المغرب، أمس الخميس، جولة إفريقية جديدة بزيارة غانا لمدة يومين، يلتقي فيها بالرئيس الغاني الجديد، نانا أكوفو أدو، ليجريا مباحثات رسمية ستشهد توقيع عدة اتفاقيات اقتصادية واجتماعية، تعزز العلاقات بين البلدين، وتعتبر زيارة محمد السادس للعاصمة الغانية "أكرا" هي الأولى من نوعها لهذا البلد، الذي شهد في نوفمبر الماضي انتخابات رئاسية فاز فيها المرشح "نانا أكوفو أدو"، الذي قام منتصف يناير الماضي باستعدادات لإقامة احتفالية كبيرة لاستقبال العاهل المغربي قبل الإعلان عن تأجيل الزيارة لفبراير الجاري. كان في استقبال الملك المغربي في مطار كوتوكا الدولي، نائب رئيس جمهورية غانا، محمدو باوميا، وتكون وفد الملك المغربي من مستشار الملك، فؤاد عالي الهمة، ووزير الشؤون الخارجية والتعاون، صلاح الدين مزوار، إضافة إلى وزير الاقتصاد والمالية ووزير التجهيز والنقل واللوجيستيك بالنيابة، ووزير السكنى وسياسة المدينة، ووزير الفلاحة والصيد البحري ووزير السياحة بالنيابة، ووزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي، ووزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة بالنيابة، ووزير الصحة، والوزير المنتدب لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون، إلى جانب عدد من الشخصيات المدنية والعسكرية. في ذات الإطار قالت وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة، في بيان لها، إن هذه الزيارة تندرج في سياق تعزيز العلاقات الثنائية التي تجمع بلادنا بدول القارة، وأوضح البيان أن العاهل المغربي سيزور بعد غانا عددًا من الدول الإفريقية دون أن يحددها، فيما أشارت الصحافة المغربية إلى زامبياومالي وكينيا وساحل العاج وغينيا، وذلك لتعزيز علاقات التعاون السياسي والاقتصادي بين المغرب وهذه البلدان. تأتي هذه الجولة المغربية الجديدة بعد أسبوعين من عودة المملكة إلى الاتحاد الإفريقي في نهاية يناير الماضي، خلال قمة أديس أبابا، وهو ما تبعته جولة مغربية هامة توجه خلالها الملك "محمد السادس" في بداية فبراير الجاري إلى جوبا، لتكون أول زيارة مغربية رسمية لجنوب السودان، حيث تم التوقيع على تسع اتفاقيات ثنائية في مجالات مختلفة للتعاون بين البلدين، قبل أن يقوم محمد السادس بزيارة خاصة للجابون، الأمر الذي تبعه بعد أقل من أسبوعين تحضير للجولة الحالية في عدد من الدول الإفريقية، وفي شهري أكتوبر ونوفمبر الماضيين زار ست دول إفريقية، وهي رواندا وتنزانيا والسنغال وإثيوبيا ومدغشقر ونيجيريا، وهو ما يشير إلى نشاط غير مسبوق لدى الدبلوماسية المغربية قد يكون بابًا لحشد المزيد من الدول الإفريقية لتأييد موقف المغرب في أزمتها مع البوليساريو والجزائر. في ذات الإطار ذكر موقع "مالي جيت" أن الملك محمد السادس سيحط الرحال بجمهورية مالي يوم 21 فبراير الجاري، في زيارة ستمتد لمدة ثلاثة أيام، وأوضح أن العاهل المغربي سيدشن خلال هذه الزيارة مشاريع قام بإعطاء انطلاقتها خلال زيارته الأخيرة قبل ثلاث سنوات، وتشمل هذه المشاريع مصحة طبية ومركزًا للتكوين المهني بمدينة "سيبنيكوروا" المتواجدة بالمقاطعة الرابعة بمدينة باماكو. بالنظر إلى الدول التي ذكرتها الصحافة المغربية على أنها محطات الملك المغربي خلال جولته الإفريقية، نجد أن أغلبها تعتبر داعمة لجبهة البوليساريو، حيث تُعد غانا مثلًا من الدول الإفريقية التي ما زالت تعترف بجبهة البوليساريو، لكنها في الوقت نفسه تُصنف كأكبر منتجي الذهب في إفريقيا، الأمر الذي يدفع الملك المغربي لتعزيز العلاقات معها؛ في محاولة لجذب تأييد غاني لقضيته بشأن البوليساريو، إضافة إلى الاستفادة من موارد هذه الدول الغنية بالذهب، أما المحطة الثانية في الجولة الملكية فهي العاصمة الغينية "كوناكري"، التي يرأسها "ألفا كوندي" المعروف بصداقته الوثيقة مع المغرب، والذي أمر شعبه بالخروج للاحتفاء بزيارة الملك لبلادهم، كما أنه تم انتخابه رئيسًا جديدًا للاتحاد الإفريقي في 30 يناير الماضي، وهو ما سهل على المغرب مهمة العودة إلى الاتحاد الإفريقي، كما ساعد محمد السادس في مواجهة خصوم المغرب في الاتحاد. المحطة الثالثة في جوله الملك المغربي من المفترض أن تكون العاصمة الزامبية "لوسكا"، والتي تُعد أحد معاقل البوليساريو في إفريقيا المناهضة للمغرب، وتنازعه على الصحراء الغربية، حيث سبق أن استقبلت "لوسكا" رئيس جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، بعدما حصل على دعم دبلوماسي قوي من ثاني أضلع المحور المعادي للمغرب في إفريقيا، لكن الملك محمد السادس في زيارته المقررة لزامبيا، من المتوقع أن يلعب على ورقة أن الرئيس الزامبي، إدجار لونج، الذي تم انتخابه في أغسطس الماضي لولاية جديدة في زامبيا، ينتمي إلى الجيل الجديد من الرؤساء الأفارقة المتحررين من قيود الماضي والساعين إلى بناء علاقات اقتصادية مثمرة مع جميع الدول الإفريقية. ومن المقرر أن ينتقل محمد السادس إلى العاصمة المالية "باماكو"، والتي تعتبر بحسب مراقبين ساحة لمعركة دبلوماسية ساخنة بين المغرب والجزائر، حيث تحاول مالي الحفاظ على توازن دقيق بين الجارين المتنازعين، لكن خلال الفترة الأخيرة سعى دبلوماسيون جزائريون إلى استباق زيارة الملك المغربي من خلال زيارة كل من وزير الشؤون المغربية والإفريقية في الحكومة الجزائرية، ورئيس مجلس الأمن والسلم في الاتحاد الإفريقي، وشيخ الطريقة التيجانية في الجزائر، لباماكو. المحطة الأخيرة في الجولة الملكية ستكون عاصمة ساحل العاج "ياموسوكرو"، حيث تعتبر من أهم دول غرب إفريقيا الصاعدة اقتصاديًّا، كما أنها تعتبر أحد أبرز حلفاء المغرب داخل القارة الإفريقية، لكنها واجهت خلال الفترة الأخيرة مجموعة من الاضطرابات السياسية والعسكرية الناجمة عن تحركات متكررة لعناصر من الجيش الإيفواري، ترفع مطالب مادية في وجه السلطات.