«العلاج بالطاقة، كورسات ماء الحياة، مدربون للحياة، التنمية البشرية».. مسميات انتشرت خلال الآونة الأخيرة على بعض الأماكن المجهولة تتولى العلاج النفسي، والكارثة تكمن في عمل عدد كبير من غير خريجي كليات الطب أو الآداب قسم علم نفس بها، وتوليهم حالات مرضية خطيرة، ما يعني تعرض حياة المرضى النفسيين للخطر. عدد من الإخصائيين النفسيين دعوا إلى تجديد المطالبة بإنشاء نقابة للعاملين بالمهن النفسية، تلك الفكرة التي طرحت منذ ستينات القرن الماضي، ويكون القيد بها لخريجي كليات علم النفس فقط؛ حتى يتم الحفاظ على حقوق المرضى. الصحة النفسية.. مهنة من لا مهنة له قال أحمد صالح، خريج كلية آداب قسم علم نفس: "للأسف، مهنة الأخصائي النفسي أصبحت تجمع عددا كبيرا من خريجي كليات التجارة والحقوق والكليات التي ليس لها أي علاقة بدراسة علم النفس"، مضيفًا: "هؤلاء الخريجون يعتمدون على مجموعة من الدورات التدريبية في مراكز علم النفس، وبعدها يطبقون ما تعلموه على الحالات المرضية، تحت اسم خبير تنمية بشرية أو معالج بالطاقة وغيرها من المسميات التي تلفت الانتباه". وأضاف صالح ل"البديل" أن الخطورة تكمن في قبول هؤلاء الأشخاص لحالات مرضية خطيرة، مثل الأمراض الذهانية، التي تحتاج إلى العلاج عن طريق أخصائي نفسي إكلينكي بأساليب علاجية متخصصة تحت إشراف الأطباء النفسيين، متابعا أن عددا كبيرا من المراكز تبيع الوهم للمرضى؛ بإطلاق مسميات غريبة للعلاج باستخدام "ماء الحياة أو مدرب الحياة"، وينشئون مراكزهم في مناطق راقية أو في كومباوندات خاصة؛ حتى يستطيعوا جذب انتباه طبقة معينة من المرضى. وأوضح رامز عبد الله، خريج كلية آداب علم نفس، أن مهنة أخصائي نفسي أصبحت تجمع عددا كبيرا من غير خريجي الكليات غير المتخصصة، ما يمثل خطورة بالغة على المرضى، خاصة أن المرض النفسي لا يقل خطورة عن نظيره العضوي، بل أحيانًا يكون أكثر خطورة منه، مضيفا أن عددا كبيرا من أبناء المهن الأخرى يقحمون أنفسهم في العمل بمجال علم النفس، وينشئون مراكز للتدريب والتنمية البشرية. وطالب عبدالله بضرورة تحجيم الظاهرة وتشديد الرقابة على الأمر، مؤكدا أن إنشاء نقابة للعاملين بالمهن النفسية، سوف يحمي المرضى قبل خريجي كليات علم النفس؛ لأن النقابة سوف تحدد من يستحق العمل بالمجال ومن لا يستحق. 50 ألف خريج علم نفس سنويًا دون مظلة نقابية نقابة المهن النفسية هدفها الحفاظ على أبناء المهنة من خريجي كليات علم النفس والحفاظ على حقوق المرضى أيضًا، هكذا قال الدكتور حسين عبد القادر، رئيس الجمعية المصرية للتحليل النفسي وأحد مؤسسي فكرة إنشاء نقابة المهن النفسية، مضيفا أنه في بداية العشرينات، كان العاملون في مجال التحليل النفسي لابد أن يكونوا أطباء. وتابع عبد القادر ل"البديل": "ومع الوقت، بالتحديد في بداية الثلاثينات، أصبح المحلل النفسي من خريجي كليات علم النفس، والدليل أن سامي محمود، مؤسس أكبر مركز للأمراض النفسية في فرنسا، لم يكن خريج كلية الطب، بل الآداب"، مستطردا: "في بداية الستينيات، تم إنشاء نقابة الاجتماعيين، وبعدها تشجعنا على طرح فكرة إنشاء نقابة تضم العاملين بمجال المهن النفسية، واقترحنا الأمر بريادة الدكتور قدري حنفي والدكتور حسين عبد القادر وآخرين، وبالفعل، وضعنا مشروع قانون يلزم بإنشاء نقابة تضم العاملين بالمهن النفسية، وتقدمنا به إلى البرلمان بعد ثورة 25 يناير مباشرة، لكن تم حله قبل الرد علينا". وأردف رئيس الجمعية المصرية للتحليل النفسي: "جددنا الفكرة مرة أخرى بإنشاء نقابة المهن النفسية لضم خريجي كليات علم النفس والصحة النفسية بكليات التربية؛ لحماية أبناء المهنة والمرضى أيضا"، واصفا العاملين بالعلاج النفسي من غير المتخصصين ب"خريج كلية التجارة يعمل بالمحاماة أو العكس"، مؤكدا أن الأمر بحاجة إلى وقفة، ونقابة المهن النفسية، سوف تحد من الأزمة. وقال الدكتور أحمد خيري، أستاذ علم النفس بجامعة عين الشمس، إن مهنة أخصائي نفسي قديمة ولها أهميتها، وخريجي كليات علم النفس يصلون إلى 50 ألفا كل عام، يتم توزيعهم على مختلف الوزارات، دون مظلة نقابية لحمايتهم، مؤكدا أن جميع المهن لها نقابة هدفها حماية أبنائها، مثل "الزبالين، والفنانين" وغيرها. وأضاف خيري ل"البديل": "لا أدري ما السبب في تعطيل نقابة النفسيين، رغم أن الهدف منها حماية المرضى قبل الحفاظ على حقوق الأخصائي النفسي، خاصة أنها ستحاسب الخارجين على الإطار القانوني للمهنة، ولا تقل أهمية عن نقابة الأطباء، بعدما اختلط الحابل بالنابل وأصبح هناك ما يسمى بالتنمية البشرية والبرمجة اللغوية العصبية وغيرها، دخلت لتندرج تحت اسم العلاج النفسي". وأكد أستاذ علم النفس، أن عددا كبيرا من المراكز ينظم دورات تدريبية لمدة أسبوع واحد فقط لغير خريجي علم النفس، ثم يعطيهم شهادات تقر بإعدادهم للعمل في مجال علم النفس، ما يعرض حياة المرضى للخطر، متسائلًا: هل يجوز أن يجري ممرض عملية جراحية لأحد المرضى؟ واستطرد: "نحن في أشد الحاجة إلى نقابة المهن النفسية، مثل خريجي الطب الذين يحصلون على تصاريح مزاولة المهنة من نقابة الأطباء، في حين يحصل الأخصائي النفسي على تراخيص مزاولة المهنة من وزارة الصحة، وهو أمر غير منطقي"، لافتا إلى اجتماع للعاملين بمجال علم النفس في الجمعة الأولى من شهر مارس؛ لتجديد مطلب إنشاء النقابة مرة أخرى؛ عن طريق إرسال مشروع القانون إلى مجلس النواب. البرلمان يؤيد المشروع قبل عرضه وقال مجدي مرشد، رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب، إنه يؤيد تمامًا فكرة إنشاء نقابة تضم العاملين بمجال المهن النفسية، مضيفًا أن مجال الصحة النفسية لا يقل أهمية عن المجال الطبي بصورة عامة، لذا يجب حماية أبناء المهنة والمرضى، على حد سواء. وأكد مرشد ل"البديل" على حق العاملين بمجال علم النفس الحفاظ على مهنتهم من الدخلاء؛ عن طريق إنشاء نقابة تضم خريجي كليات الآداب والصحة النفسية بكليات التربية، مضيفا أنه حتى الآن لم يتقدم أحد إلى لجنة صحة البرلمان بأي مشروع قانون لإنشاء نقابة المهن النفسية، ووقتما يطرح المشروع عليهم سوف ينظرون سريعًا في الأمر؛ لأنه غاية في الأهمية لحماية المرضى وأبناء المهنة الحقيقيين.