انتشرت في الآونة الأخيرة مراكز خاصة لتقديم العلاج النفسي، وإقامة دورات تدريبية لتأهيل الخريجين للعمل في مجال تقويم السلوك، وتعلن معظم هذه المراكز عن اعتمادها من الجامعات المصرية الكبرى، إلا أن كثيرا منها يستغل أسماء هذه الجامعات للدعاية فقط، دون أن تكون حاصلة على موافقات رسمية سواء من الجامعات أو من وزارة الصحة بممارسة هذا النشاط، فضلا عن أن من يقوم بالمعالجة والتدريب بهذه المراكز غير مختصين في أغلب الأحوال. الوهم والنصب أحمد عبد الكريم، طالب دراسات عليا بقسم علم النفس بكلية الآداب، قال ل"البديل" إن المراكز المنتشرة بصورة كبيرة في مصر تستغل أسماء الجامعات وبعض الأطباء في الدعاية لنفسها على غير الحقيقة، مشيرا إلى تجربته الشخصية التي تعرض خلالها لما أسماه "بيع الوهم"، حيث وقع ضحية لأحد المراكز التي تستغل اسم جامعة القاهرة وتوهم الدارسين بأنها متعاقدة معها، وأنها تمنح شهاداتها للمتدربين معتمدة من الجامعة، وهو ما اكتشف أنه لم يكن حقيقيا ولكن بعد أن دفع ألفى جنيه قيمة الدورة التدريبية التي حصل عليها، مؤكدا أن المدربين أنفسهم من غير المؤهلين أو المتخصصين. وقال كريم السيد، طالب بدبلومة علم نفس بكلية الآداب: "للأسف مراكز العلاج النفسي انتشرت بكثافة دون وجود رقابة، ودون التأكد من حصول تلك المراكز من عدمه"، مضيفًا أن عددا كبير من هذه المراكز يقدم الوهم سواء للطلبة أو المرضى، وأضاف ل"البديل"، "هذا هو ما حدث معي شخصيًا حينما تقدمت للحصول على دورة تدريبية بأحد المراكز، وبعد سداد 3 آلاف جنيه كانت الصدمة عندما علمت أن المحاضرين ليسوا من دارسي علم النفس" وأشار السيد، إلى أن الكارثة أن القائمين على علاج المرضى بالمركز هم من الحاصلين على دورات تدريبية باسم العلاج الإكلينيكي من مراكز غير مرخصة أيضًا، ومن ثم يزوالون مهنة العلاج النفسي دون ترخيص من وزارة الصحة، مؤكدا أن هذا نوع من "النصب" على المواطنين، لأن العلاج النفسي لا يقل خطورة وأهمية عن العلاج الجسدي ويجب أن يعتمد على متخصصين. 400 معالج عدد من الأطباء النفسيين، أكدوا ل"البديل" أن خطورة الأمر لا تقتصر على مراكز العلاج النفسي غير المرخصة فقط ولكن لوجود عدد كبير من المراكز التي تحصل على تراخيص كمراكز تأهيلية أو مراكز للتنمية البشرية وتعلن عن تقديم العلاج. الدكتور علي الشامي، طبيب نفسي، قال: "للأسف هذه الأماكن غير مؤهلة وتمارس النصب سواء على المرضى أو الدارسين, فهي غير مرخصة ولا تخضع لأي إشراف طبي أو أكاديمي, سواء مراكز العلاج النفسي أو ما يسمى بمراكز التنمية البشرية". وأوضح أن هذه المراكز تقوم بنسب نفسها إلى جامعات مصرية وأجنبية وتقدم دورات تدريبية وتمنح شهادات لمتدربيها يقومو بدورهم بممارسة المهنة بمراكز أخرى غير مؤهلة أيضًا، ويستمر ذلك المسلسل إلى ما لا نهاية ليدفع المريض وحده ثمن كل ذلك, مؤكدا أن الأزمة تكمن في عدم وجود رقابة خاصة أن الاخصائي النفسي الذي يتوجب عليه ممارسة المهنة لابد أن يكن حاصلًا على رخصة العلاج النفسي من وزارة الصحة، وذلك بعد الخضوع إلى تدريبات عديدة من أماكن معترف بها ومعتمدة رسميًا الدكتور محمود سعد، أخصائي نفسي حاصل على درجة الدكتوراه في علم النفس، قال ل"البديل": "العلاج النفسي لا يقل أهمية عن أي علاج، وتتوقف عليه حياة المرضى وأهاليهم على حد السواء، وبعض المرضى يلجأون للانتحار لعدم حصولهم على العلاج السليم". وأضاف أن المريض الذي يلجأ إلى الطبيب أو الإخصائي لن يبحث عن كونه مؤهلا أو غير مؤهل، فيقع فريسة لمراكز "النصب" التي تعتمد على بعض القارئين في علم النفس فقط، واستنكر عدم تطبيق القوانين المنظمة للمهنة خاصة أن حصول الإخصائي على رخصة للعلاج النفسي من وزارة الصحة شيء أساسي، مؤكدا أن الحاصلين على رخصة العلاج النفسي في مصر لا يتجاوز عددهم 400 شخص فقط, وأن مراكز العلاج بالطاقة، والتنمية البشرية، وغيرها، فهي أماكن بلا تراخيص رسمية، والعاملون بها غير مؤهلين، وغير مصرح لهم. وحذرت الدكتورة رشا أحمد، طبيبة نفسية، من انتشار مراكز العلاج النفسي غير المرخصة، خاصة في الأماكن الراقية حيث يعتمد أصحابها على الترويج لأنفسهم من خلال التركيز على حل المشاكل الزوجية وعلاج الاضطرابات السلوكية لدى الأطفال. وقالت إن وزارة الصحة لا تمارس الرقابة على هذه الأماكن التي يتاجر أصحابها بآلام المرضى وأهاليهم، ويوجد قصور في التعامل مع هذه الأماكن بشكل قانوني حيث لا يتعدى الأمر غرامة مالية كعقوبة لممارسة مهنة بلا ترخيص.