تحمل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى البحرين والسعودية وقطر الكثير من الدلالات والأبعاد التي قرأها المحللون والسياسيون، فعلى الرغم من أن العلاقة شابها بعض الغموض في الفترة الأخيرة، لاسيما مع التردد التركي وعدم إبداء موقف ثابت نحو ملفات المنطقة، فإن توجه أردوغان يحمل الكثير من الرسائل نحو الدول الخليجية.. فما هي تلك الدلالات؟. ذكر بيان صادر عن المكتب الإعلامي للرئاسة التركية، السبت، أن أردوغان سيستهل جولته من البحرين، ويلتقي خلال الزيارة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وكبار المسؤولين البحرينيين، وبحسب البيان، يتوجه الرئيس التركي، الاثنين، إلى المملكة العربية السعودية، ويلتقي العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، ووليّ عهده الأمير محمد بن نايف، ووليّ وليّ عهده الأمير محمد بن سلمان. ويختتم الرئيس التركي جولته الخليجية في قطر بلقاء أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وفق البيان، مشيرًا إلى أن زيارة الرئيس التركي إلى البلدان الثلاثة، ستسهم في تعزيز العلاقات التركية الخليجية، ومنظمة التعاون الإسلامي. استثمارات خليجية دأب الرئيس التركي أردوغان، على التعهد بالاصطفاف بجانب المحور الخليجي في مواقفه من قضايا المنطقة العربية مقابل الدعم الاقتصادي والبحث عن الاستثمارات الخليجية، إلا أن تحولات وتغيرات موازين القوى دائمًا ما تجبر السياسة الخارجية التركية على عدم الالتزام بتعهداتها، فكثيرًا ما أطلق أردوغان تصريحات معادية لطهران إرضاءً للخليج، لكنه في العموم لم يتقدم خطوة واكتفى بإطلاق تصريحات عامة. أوساط خليجية قللت من قدرة أردوغان على الالتزام بأي مواقف عملية داعمة للخليج خلال زيارته، وأشارت إلى أن دولا مثل السعودية لا يمكن أن تطلق وعودا اقتصادية وتجارية وسياحية مع أنقرة دون أن يبادر الرئيس التركي إلى إعلان موقف واضح من إيران التي هي على خلاف مع الرياض حول قضايا المنطقة. وزار الرئيس التركي طهران في كثير من المناسبات في الفترة الأخيرة، الأمر الذي أغضب الخليجيين وخاصة السعوديين، الذين أصدروا تصريحات خلالها نددوا فيها بتلك الزيارات والتقارب مع طهران، وكانت السعودية تأمل بأن تشارك أنقرة في تحالفها الذي شكلته إبان الحرب على اليمن، لكن أردوغان، الذي وعد السعودية بتقديم الدعم في هذه الحرب، أصبح يتحدث بعد فترة وجيزة عن حل سياسي للأزمة اليمنية، ما أعطى الانطباع بأنه يقف على الحياد وهو ما أغضب الخليجيين. وكانت دول الخليج قد قلّصت من انفتاحها على السوق التركية، وتراجع إقبال السياح الخليجيين على المدن التركية بسبب مواقف الرئيس التركي المعادية لمصر ما بعد ثورة يوليو 2013، ويحاول أردوغان أن يحصل على دعم خليجي في شكل مشاريع متبادلة للخروج بالاقتصاد التركي من حالة الركود التي تسبب فيها التورط في الحرب السورية. التقارب مع إسرائيل تتقارب المواقف التركية الخليجية في الآونة الأخيرة تجاه الكيان الصهيوني والقضية الفلسطينية بصفه عامة ما يوضح بأن هناك تنسيقًا بين الجانبين في تحديد مستقبل العلاقة مع إسرائيل، فبعد أعوام من توتر العلاقات التركية الإسرائيلية على خلفية حادثة مرمرة، وفي تطور لافت للعلاقات بين البلدين، استضافت أنقرة، الأسبوع الماضي، أول اجتماع للمشاورات السياسية بين تركيا وإسرائيل منذ عام 2010، وذلك عقب تطبيع العلاقات بينهما على خلفية الاتفاق المبرم في يونيو 2016 بين الجانبين بخصوص التطبيع في صورة توضح عودة العلاقات إلى طبيعتها وتخفيف حدة الخطاب التركي ضد إسرائيل فيما يخص القضية الفلسطينية. فيما تزامن تطور العلاقات الإسرائلية التركية، مع مقاربة في العلاقات الخليجية الإسرائيلية، التي وإن كانت سرية، فإن المواقف المتشابهة إزاء قضايا المنطقة أوضحتها، لاسيما في الملف السوري والموقف من طهران والاتفاق النووي، الأمر الذي يرى مراقبون أنه تنسيق خليجي تركي في مستقبل العلاقة مع الكيان الصهيوني. مؤتمر أستانة وتأتي الزيارة التركية قبل أيام قليلة من انعقاد مؤتمر جنيف حول سوريا، وبعد أيام من مؤتمر أستانة، وترغب أنقرة في استغلال وضعها كلاعب رئيسي في الملف السوري من ضمن الثلاثة الرئيسيين لتحقيق مكاسب في علاقتها بالخليج، وتصوير نفسها على أنها المنقذ للدور الخليجي والعربي في سوريا، بعد إبعادها عن الساحة مؤخرا، فبالإضافة إلى جذب الاستثمارات وتعزيز مكاسب اقتصادية، كان الهدف الثاني هو الرغبة في مساندة الرياض ودول الخليج في معارك تركيا الداخلية التي يخوضها أردوغان ضد حليفه السابق رئيس حركة الخدمة فتح الله جولن. مستقبل العلاقة مع ترامب مع تولي الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، مقاليد الحكم في الولاياتالمتحدة، بدا واضحًا أن الغموض يشوب أغلب علاقاته الخارجية بالدول التي كانت حليفة لبلاده في السابق، مثل الرياضوأنقرة، فرسميا أعربت تركيا عن أملها أن تختلف سياسة الرئيس الأمريكي الجديد عن خلفه باراك أوباما، التي أصبحت واشنطن في عهده الداعم الأساسي للوحدات الكردية في سوريا، ورفضه تسليم فتح الله جولن التي تتهمه أنقرة بإدارة الانقلاب في تركيا، لكن آمال تركيا سرعان ما بدأت تتبخر وظهرت الأزمة جلية مع الإدارة الأمريكية الجديدة التي أعلنت رسميا الأسبوع الماضي تزويدها الوحدات الكردية في سوريا، بعربات مدرعة في إطار قتال قوات سوريا الديمقراطية ضد تنظيم داعش والاستعدادات لمهاجمة الرقة، وهو ما اعتبرته تركيا خطرا على أمنها القومي. فيما تشهد العلاقات الخليجية الأمريكية هي الأخرى غموضًا واضحًا لاسيما مع انتظار دول مجلس التعاون الخليجي تقديم الإدارة الأمريكية الجديدة دعمًا لا محدود في ملفات اليمن وسوريا والعراق وإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، لكن يبدو أن هذه الآمال هي الأخرى تتبدد يومًا تلو الآخر مع إعلان الرئيس الأمريكي الجديد انشغاله بأمريكا أولًا، وتقليل مستوى توقعات الاندفاع نحو قضايا المنطقة.