ما فعلته قوات الأمن اليوم من تشميع مركز النديم ليس المرة الأولى.. ذلك المركز الذي تأسس عام 1992، لعلاج الآلاف من ضحايا العنف والتعذيب وإعادة تأهيلهم نفسيًّا واجتماعيًّا؛ حتى يعودوا إلى الحياة بصورة طبيعية، فقد كانت هناك محاولتان سابقتان من وزارتي الداخلية والصحة لإغلاقه تحت دعاوى ارتكاب أعضائه عددًا من المخالفات الجسيمة وخروجه عن شروط الترخيص الممنوحة له كعيادة طبية. بدأت محاولات الإغلاق أثناء حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وتحديدًا خلال عام 2004، ووقتها تم إعطاؤهم مهلة ثلاثين يومًا لإزالة كل المخالفات التي رصدتها لجنة الصحة، التي كانت مكلفة بإغلاقه لدواعٍ أمنية. وفي 17 فبراير 2016 أعلن المركز عبر صفحته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي عن حضور مهندس وأمين شرطة من حي الأزبكية ومعهما أمر إداري بإغلاق المركز الكائن في (3 أ) شارع سليمان الحلبي، بناء على تكليف من إدارة الطب الحر بوزارة الصحة. واليوم يتم تشميعه خلال الراحة الأسبوعية وفي عدم وجود موظفي المركز. مخالفة القانون تقول الدكتورة عايدة سيف الدولة، عضو بمركز النديم لتأهيل ضحايا العنف ومناهضة التعذيب، إن قوة كبيرة من الشرطة وحي الأزبكية أغلقت المركز صباح اليوم الخميس، وتم القبض على بواب العمارة، دون إبداء أي أسباب، مؤكدة أن المركز لن يتوقف عن تقديم المساعدة للمواطنين تحت أي صورة من الصور، بما في ذلك الخدمات الاستشارية والعون القانوني والخدمة الصحية. وأضافت سيف الدولة ل"البديل": رفعنا قضية أمام القضاء الإداري في مارس الماضي، نطعن من خلالها على قرار الغلق السابق، وقبل أن تفصل محكمة القضاء الإداري في الأمر، هاجمت اليوم قوة هائلة من وزارة الداخلية المركز، وأغلقته بالمخالفة للقانون والدستور". توثيق وقائع التعذيب وراء الإغلاق "حصاد القهر في يناير".. كان هذا عنوان التقرير الصادم الذي وثق من خلاله مركز النديم نحو 109 حالات قتل وقعت خلال شهر يناير الماضي فقط، موضحًا أن العدد الأكبر منهم، وهو 26، جراء قصف المدفعية، و23 خلال حملات أمنية، و20 خلال المداهمات، و9 نتيجة التصفية. وأشار التقرير إلى وقوع 49 حالة تعذيب، من بينها 32 حالة تعذيب فردي، و17 حالة تعذيب وتكدير جماعي في السجون والأقسام، ونحو 16 حالة وفاة داخل مناطق الاحتجاز، و11 منهم نتيجة الإهمال الطبي، وحالتين نتيجة التعذيب وحالتي انتحار، بالإضافة إلى وقوع 171 حالة اختفاء قسري، لفترات تراوحت بين 18 يومًا و3 سنوات حتى ظهورها في نيابات أمن الدولة. كان هذا هو السبب الحقيقي وراء مداهمة المركز وتشميعه اليوم في ظل غياب الموظفين ومدير المركز، كما حدث في فبراير الماضي عقب تقرير التعذيب الصادر عن المركز، تحت عنوان "من الإعلام: حصاد القهر في يناير 2016" وغيره من التقارير الشهرية الموثقة التي أدخلتهم "عش الدبابير" وخانة "المغضوب عليهم"، بحسب الحقوقي ناصر أمين، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، الذي أوضح أنه سبق وتم تجميد أرصدته المالية، بناء على أمر صادر عن البنك المركزي المصري قبل نهاية العام الماضي. وهو ما وصفه بالضربة القاضية المتواصلة من الدولة ضد كافة المراكز الحقوقية في مصر، في الوقت الذي تمنع فيه الحكومة المصرية المركز العلاجي من القيام بعمله، الذي يقدم العلاج والرعاية للناجين من العنف والتعذيب، وتنتهك حق الضحايا في الصحة والعلاج. الخوف من الفضيحة "الداخلية مش عايزين يبطلوا تعذيب، وكمان مش عايزين يسيبوا للضحايا فرصة للتعافي من آثار التعذيب والانتهاكات اللي بيتعرضوا لها".. كان هذا رد المحامي عن المركز الدكتور طاهر مختار، الذي استنكر إغلاق المركز في عدم وجود الموظفين، وهو ما يكشف عن مدى رعب النظام ممن يفضح مساوئه، ويوثق انتهاكاته، وينادي بمحاكمته ومحاسبته على تلك الجرائم عبر تقارير رسمية. وأضاف أن "الداخلية بكل جبروتها ما قدرتش تشمع مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب إلا في يوم كل الموظفين في أجازة، بعد ما فشل في ذلك مرتين في وجودهم". فيما أعلنت الدكتورة ماجدة عدلي، مدير مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف، رفضها التام لما حدث من الشرطة، التي تنتهك القانون بإغلاق المركز العلاجي لمئات الضحايا ومحاوله تخفيف الآثار السلبيه لجرائم العنف والتعذيب. وأضافت عدلي ل"البديل" أن هناك قضية متداولة في المحاكم ضد قرار وزير الصحة السابق بالإغلاق؛ نتيجة عدم وجود أي مخالفات فنيه أو مهنية ضد المركز، حيث فشلت الوزاره في تقديم أي أسباب حقيقية أمام محكمة القضاء الإداري، وهو ما تكرر مع قرار تجميد أرصدته المالية في البنوك مُسبقًا، وفق ما يتطلبه القانون المصري، ما يقوض قدرة المركز على تصحيح الأخطاء أو إعداد دفوعاته القانونية للرد على القرار وللطعن في أمر التجميد أمام إحدى المحاكم. نظام يعادي حقوق الإنسان كما أعلن المحامي الحقوقي جمال عيد، مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان، تضامنه مع المركز، قائلًا "هذا المركز أغلقه نظام يكره حقوق الإنسان، وعدد الضحايا الذين تعالجوا فيه يفوق عدد مؤيدي النظام الحاكم". ودوّن عيد على "تويتر"، أمس "أفرجوا عن ضابط متهم بالتعذيب حتى القتل. اليوم أغلقوا مركزًا لعلاج ضحايا التعذيب.. هكذا تحيا مصر"، مضيفًا أن النظام الحالي يرى أن إنجازه الأكبر يتمثل في تشميع مركز لعلاج ضحايا التعذيب، وإغلاق مكتبات ثقافية للفقراء، وحبس مؤسسات أهلية تساعد أطفال الشوارع". هدم الدولة في المقابل أعلن الدكتور أشرف سامي إبراهيم، مدير عام إدارة العلاج الحر التابعة لوزارة الصحة والسكان، أن المركز مُرخص فى عام 2003 عيادة مشتركة نفسية وعصبية، ولكنه قام بتحويل نشاطه لمركز يختص بتأهيل ضحايا العنف؛ ليتغير نشاطه من طبي إلى حقوقي. وأضاف إبراهيم ل"البديل" أن المركز تخلى عن مهمته الأساسية، وأصبح يقوم بإصدار التقارير الحقوقية التي تدعو إلى هدم الدولة ونشر الأخبار الكاذبة؛ ومن ثم اقتضى الإغلاق الفوري اليوم.