تعاقب الفاتحون على مصر قبل الإسلام وبعده، بداية من الفتح الإسلامي لها على يد عمرو بن العاص وعصر الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية ثم العباسية والطولونية والإخشيدية والفاطمية، وصولًا إلى مصر الحديثة، ثم قيام الجمهورية. «البديل» تتناول في تلك السلسلة الدول والحضارات التي مرت بمصر. لم تكن ديانة المصريين وثنية قبل الإسلام كما يظن البعض، بل كانوا يدينون بالمسيحية التي دخلت مصر على يد مرقص الرسول عام 55 ميلادية، وهو واحد من سبعين رسولًا اختارهم السيد المسيح للتبشير بالمسيحية في كل أنحاء العالم. جاء مرقص إلى مصر، وأقام بالإسكندرية، وهو كاتب أحد الأناجيل المعترف بها حاليًّا، إنجيل مرقص سنة 58 ميلادية، كما أنشأ المدرسة الإكليريكية لتعليم الدين في الإسكندرية سنة 61 ميلادية، وأنشأ المسيحيون أول كنسية للمسيحية في مصر بمدينة الإسكندرية، وكان مرقص هو أول بطريرك للكنيسة؛ لذلك تسمى بالكرازة المرقصية. كان عمرو بن العاص قد زار مصر من قبل في تجارة له، وعندما تولى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، الخلافة طلب منه أن يذهب إلى مصر فاتحًا، وأدرك عمر بن الخطاب أن سيطرة المسلمين على بلاد الشام لن تكتمل، ما دام هناك أسطول للروم في البحر المتوسط يعتمد في قواعده على مصر، فضلًا عن التكامل الأمني بين مصر وبلاد الشام والجزيرة العربية، فأرسل ابن الخطاب عمرو بن العاص بجيش مكون من 4 آلاف رجل، وصل إلى العريش، ثم توجه إلى منطقة بالمدينة تسمى الآن المساعيد. في ضوء عدم وجود حاميات للروم على الطريق بعد العريش، تمكن عمرو بن العاص من اجتياز سيناء سريعًا، ووصل إلى منطقة بئر العبد، على بعد خمسين كيلو مترًا من العريش. كانت الفرما أول منطقة محصنة على أبواب مصر الشرقية، وفيها حصن قديم، وتسقى بقناة من مياه النيل، وفيها حشد الروم قوة كبيرة، وجرت فيها اشتباكات مع المسلمين، استمرت نحو شهر، إلى أن هزمت قوات الروم، وتم فتح الفرما في 25 صفر عام 20 هجرية، بعدها تقدم عمرو إلى بلبيس، وسلك إليها طريقًا في الصحراء الشرقية، ولما كانت ببلبيس حامية قوية للروم، خاض المسلمون معركة لما يقرب من شهر، إلى أن تم فتحها في جمادى الأولى عام 20 هجرية أيضًا. بعد فتح بلبيس أصبح الأمر سهلًا للوصول إلى القاهرة بعد الانتهاء من حشود الروم في قرية أُمّ دِنِين، فأرسل ابن العاص يطلب المدد من عمر بن الخطاب، وبعد وصول هذه القوة الجديدة، أعاد عمرو بن العاص تشكيل قواته، فهزم الروم في معركة أُمِّ دِنِين ثم توجه إلى حصن بابليون، وهنا كانت المعركة الحاسمة والمنازلة الكبرى. بعد سقوط حصن بابليون فقد الروم معظم مواقعهم في مصر، إلَّا الإسكندرية التي كانت عاصمتهم في ذلك الوقت، ورأى عمرو بن العاص أن عليه فتح الإسكندرية حتى يأمن من غارات الروم، فاتجه بجيشه إلى هناك، وفرض عليها حصارًا بريًّا استمر لمدة أربعة أشهر، لكن هذا الحصار لم يكن مجديًا؛ لأن المواصلات بينها وبين الإمبراطورية الرومانية عن طريق البحر ظلت مفتوحة لولا موت الإمبراطور الروماني وحدوث فتن واضطرابات حول من يخلفه. قرر وقتها ابن العاص اقتحام المدينة، وعهد إلى عبادة بن الصامت بذلك، فنجح في اقتحام المدينة بجنده، وجاء المقوقس إلى الإسكندرية، ووقَّع على معاهدة الإسكندرية مع عمرو بن العاص سنة 642 م/21 هجرية، وكانت تنص على انتهاء حكم الدولة البيزنطية لمصر وجلاء الروم عنها ودفع الجزية للمسلمين. بعد أن تم فتح مصر على يد ابن العاص، وأصبح الوالي عليها من قِبَل الخليفة عمر بن الخطاب، بدأ في الإنشاء المعماري، فأقام عاصمته الجديدة الفسطاط، ثم أقام فيها أيضًا أول مسجد بمصر خاصة وإفريقيا عامة، وهو جامع عمر بن العاص، الموجود إلى الآن. ومن أهم المواقف التي قدمتها مصر للعالم الإسلامي بعد فتحها مباشرة دورها البارز في عام الرمادة، عندما حل قحط في عهد عمر لم يترك للناس شيئًا، فكان يبكي ويقول: يا ليت أم عمر لم تلد عمر.. يا ليتني ما عرفت الحياة.. آه يا عمر.. كم قتلت من أطفال المسلمين! وظل الأمر هكذا والجوع يقتل الناس، حتى تذكر عمر مصر وعمر بن العاص، فأرس إليه رسالة نصها "بسم الله الرحمن الرحيم، من عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، إلى عمرو بن العاص أمَّا بَعْد: فوا غوثاه وا غوثاه وا غوثاه والسلام". فلما قرأ عمرو الرسالة قال: لا جرم! والله لأرسلن لك قافلة من الطعام أولها عندك في المدينة وآخرها عندي في مصر. وبالفعل أرسل القوافل إلى الحجاز، فكانت سببًا في انقضاء هذا القحط. ودامت ولاية عمرو بن العاص الأولى على مصر حوالي أربع سنوات، حتى عزله عثمان بن عفان، وولى بدلًا منه عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فزاد على المصريين في الضرائب، فقال عثمان لعمرو بن العاص: «درت اللقحة بعدك يا أبا عبد الله، بأكثر من درها الأول»، فرد عمرو بن العاص: «نعم، ولكن جاعت أولادها». كانت ولاية ابن أبي السرح هي الأطول حتى قتل، وتولى بعده قيس بن سعد بن عبادة الخزرجي الأنصاري، لكنه مات بعد عام، ثم تولى مكانه عبد الله بن مالك بن الحارث بن الأشتر النخعي، ثم محمد بن أبي بكر، إلى أن قتل عثمان، وقامت ثورة تطالب بثأره، وقالوا إن محمد بن أبي بكر ممن له يد في قتل عثمان.