مر أكثر من نصف قرن على العداء التاريخي بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وجزيرة كوبا الشيوعية، لينهي الرئيس السابق باراك أوباما هذا العداء ويكون أول رئيس أمريكي يُقْدِم على هذه الخطوة التي رفضها 11 رئيسًا أمريكيًّا من قبله، لكن الرئيس الجديد، دونالد ترامب، اختار أن يكون الرئيس ال12 الرافض لتلك الخطوة، مما يعني نسف جهود أوباما السابقة. العلاقات الأمريكية الكوبية على المحك أكد البيت الأبيض، الجمعة الماضية، أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تقوم بمراجعة شاملة لكل السياسات الأمريكية تجاه كوبا، وتركز على سياساتها الخاصة بحقوق الإنسان، وقال المتحدث باسم البيت الأبيض، شون سبايسر، ردًّا على سؤال عما إذا كانت إدارة الرئيس دونالد ترامب تخطط لأي تغييرات في سياستها تجاه كوبا: الإدارة الأمريكية في إطار التزامها بالدفاع عن تلك الحقوق لشعوب العالم. لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يلوح فيها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بإعادة التفكير بشأن العلاقات الأمريكية الكوبية، حيث سبق أن أظهر ترامب خلال حملته الانتخابية رفضه لاتفاق المصالحة الذي وقَّعه أوباما مع نظيره الكوبي، ووجه ترامب انتقادات للرئيس أوباما على خلفية استعادة العلاقات مع كوبا بعد عقود من القطيعة، ووصف زعيم الثورة الكوبية، فيدل كاسترو، الذي توفى في 25 نوفمبر الماضي، ب«الديكتاتور الوحشي الذي قمع شعبه طوال أكثر من ستة عقود». وعقب انتخاب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، هدد الرئيس الأمريكي، في نوفمبر الماضي، الحكومة الكوبية بإنهاء التقارب معها، في حالة عدم التوصل لاتفاق أفضل، وكتب تغريدة على حسابه الخاص في موقع التواصل الاجتماعي تويتر: إذا كانت كوبا غير مستعدة لعقد اتفاق أفضل لأجل الشعب الكوبي، والشعب الكوبي/الأمريكي، ولأجل الولاياتالمتحدة ككل، سألغي الاتفاق. وردت كوبا على تلك التهديدات عقب انتخاب ترامب رئيسًا لأمريكا، بالقول: إن «هافانا» تأمل من دونالد ترامب بأن يأخذ فى الحسبان التقدم المحرز منذ العام 2014، وذوبان الجليد في العلاقات الثنائية بين البلدين، والنتائج التى جنيناها، وأن يكون على استعداد لمواصلة هذا الزخم على أساس الاحترام المتبادل، وأضافت حينها المسؤولة المستشارية الكوبية للعلاقات مع واشنطن، جوزيفينا فيدال، أن الاحترام ضروري، وأنه كان مفتاح النجاح. ترامب وهدم إرث أوباما يبدو أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قبل دخوله إلى البيت الأبيض كان قد عقد النية على تفصيل سياسة خارجية واستراتيجية جديدة، تتناسب مع مقاس الرئيس الجمهوري الجديد، وتتناقض تمامًا مع مسار الاستراتيجية الأمريكية التي كان يتبعها سلفه الديموقراطي، باراك أوباما، حيث عمل على خرق المعايير كافة التي كانت تسير عليها إدارة أوباما، وهدم الركائز التي ارتكزت عليها سياسة أوباما خلال فترة ولايته. مثلما عمل ترامب منذ أيامه الأولى على إعادة النظر في الاتفاقيات التجارية كافة التي أبرمها أوباما، وكان أولها الانسحاب من اتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادئ، والتلويح بإلغاء الاتفاقية الاقتصادية الأكبر في العالم، اتفاقية أمريكا الشمالية لحرية التبادل التجاري «نافتا»، يأتي الوقت ليفتح ترامب الملفات الأمريكية الخاصة بالدول التي عملت إدارة أوباما على تحسين العلاقات معها خلال الفترة الأخيرة. وتأتي على رأس هذه الدول إيرانوكوبا، حيث حاول أوباما قبل انتهاء ولايته تحسين علاقات بلاده مع طهران، وهو ما اتضح من خلال توقيع الاتفاق النووي، الذي سعى ترامب مرارًا إلى إلغائه، لكن جهوده فشلت سياسيًّا وقانونيًّا، فأخذ على عاتقه إفشال العلاقات المتوترة أصلًا مع طهران، من خلال تصعيد لهجته وتهديداته للأخيرة، ليأتي الدور على كوبا، التي سعى أوباما مؤخرًا إلى إعادة العلاقات معها بعد أكثر من 54 عامًا من القطيعة الدبلوماسية الكاملة، وهو ما تحقق أخيرًا عندما أعلن أوباما ونظيره الكوبي راؤول كاسترو، في لقاء جمعهما في 17 ديسمبر 2014، عن انفراج في المفاوضات السرية بين البلدين حول تجديد العلاقات، وهو ما تبعه رفع الإدارة الأمريكية رسميًّا اسم كوبا من قائمة الدول الراعية للإرهاب، التي تفرضها الولاياتالمتحدة على دول بعينها، وتخفيف الحظر المفروض على الجزيرة الكوبية وعودة العلاقات الدبلوماسية. كما أجرى أوباما زيارة تاريخية إلى الجزيرة في مارس 2016، ليصبح أول رئيس أمريكى يزور كوبا منذ زيارة كالفين كوليدج في 1928، ووصف حينها أوباما تلك الخطوة بأنها تصحيح لسياسة أثبتت فشلها في إسقاط أول نظام شيوعي في نصف العالم الغربي، أما الزعيم الكوبي كاسترو فقد اعتبرها انتصارًا لإرادة حكومة وشعب صمدا طوال هذه الفترة تحت حصار شديد القسوة، دون الاستسلام لرغبات القوة الأعظم في العالم. وقد سبقت زيارة أوباما إلى كوبا، مثيلتها التي قام بها وزير الخارجية الأمريكية، جون كيرى، إلى هافانا في أغسطس عام 2015، ورفع خلالها العلم الأمريكي فوق مقر سفارة بلاده، معربًا عن سعادته بهذه الخطوة التاريخية، ليكون أول وزير خارجية أمريكي يزور كوبا منذ القطيعة.