ما إن تم الإعلان عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الولاياتالمتحدةوكوبا، إلا وظهرت تعليقات تصف هذا التطور بأنه أشبه بلحظة "سقوط جدار برلين", فيما اعتبرته أخرى تنازلا كبيرا من قبل إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما, ودليلا جديدا على فشل سياسته الخارجية. وذكرت صحيفة "الديلي تليجراف" البريطانية أن عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد خمسين عاما من القطيعة, ستشكل اختلافا كبيرا في بعض جوانب الحياة الكوبية، لكن بعض المقومات ستظل بدون تغيير. واعتبرت الصحيفة في تقرير لها في 19 ديسمبر "القرار الأمريكي أشبه بلحظة سقوط جدار برلين، إذ إنه سيفتح للكوبيين أبواب خير كثيرة, منها الإنترنت, الذي كان مقطوعا عن معظم السكان، وزيادة التحويلات المالية, والسماح للمزيد من الأمريكيين بزيارة كوبا، مما ينعش الجزيرة"، لكنها استطردت "ستظل هناك بعض العقبات مثل الحصار الاقتصادي المفروض عليها, وتصنيفها دولة راعية للإرهاب. وبدورها, علقت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية بأن الأمر يستحق دائما تجربة النهج السياسي في التعامل مع القضايا العويصة لمعرفة ما إذا كان سيؤتي ثماره، وأنه ليس هناك ضرر من المحاولة, كما هو في الحالة الكوبية بعد خمسين عاما من محاولة تدمير وتجويع وحصار البلد ومحاولات اغتيال قيادته، في إشارة إلى الزعيم الكوبي فيدل كاسترو. وِأشار مقال آخر بالصحيفة نفسها إلى أنه بعد التغير الكامل والمفاجئ في موقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما, سيصير لدى الأمريكيتين محور جديد يتمثل في العاصمة الكوبية هافانا, ومدينة مياميالأمريكية القريبة منها، حيث سيتغير كل شيء من سياسة ودبلوماسية وسياسة اقتصادية، والأهم من ذلك أن هذا المحور الجديد سيغير الحياة الاجتماعية لملايين الأمريكيين اللاتينيين, وغير اللاتينيين, وستصير هافانا موطن الحلم الأمريكي. وفيما يتعلق بردود فعل الصحف الأمريكية, اعتبرت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" تحرك أوباما لتطبيع العلاقات مع كوبا خطوة في الاتجاه الصحيح طال انتظارها، لكنها أكدت أن عودة العلاقات الدبلوماسية ينبغي أن لا تؤخذ على أنها تأييد لانتهاكات حقوق الإنسان المستمرة لنظام كاسترو, أو سياساته المناوئة للديمقراطية. وقالت الصحيفة في تقرير لها في 19 ديسمبر:"إنه ينبغي على الكونجرس الآن أن يحذو حذو أوباما, ويرفع الحصار الاقتصادي, الذي لم ينجح في إسقاط نظام كاسترو الشيوعي". وفي السياق ذاته، وصفت افتتاحية "نيويورك تايمز" في 19 ديسمبر تحرك أوباما، بعد أشهر من المفاوضات السرية مع الحكومة الكوبية، بأنه خطوة جريئة لإنهاء أحد أكثر الفصول خطأ في سجل السياسة الخارجية الأمريكية". وأضافت "بذلك تستهل إدارة أوباما حقبة تحول لملايين الكوبيين, الذين عانوا لأكثر من خمسين سنة من العداوة بين البلدين, وسيثبت التاريخ أن أوباما كان محقا". كما ذكرت "كريستيان ساينس مونيتور" أن السياسة الأمريكية الجديدة بشأن كوبا يمكن أن تغير الطريقة التي تنظر بها أمريكا اللاتينية إلى الولاياتالمتحدة, بعد أن كانت هذه السياسة عائقا كبيرا أمام التقدم في العلاقات مع القارة اللاتينية. وأضافت الصحيفة في تقرير لها في 19 ديسمبر أن هذا هو أحد الأسباب, التي جعلت أوباما يقدم على هذا التغيير. وأشارت إلى أن أوباما بإعلانه هذه الخطوة التاريخية بتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع كوبا, أكد أن جزءا من دافعه لهذا الأمر, هو الرغبة في إغلاق نهائي لفصل, كان ينظر من خلاله إلى أمريكا على نطاق واسع بأنها "دولة متنمرة تسعى للهيمنة على أمريكا اللاتينية بأكملها". وتابعت أن أوباما أكد, وهو يعلن بدء العلاقات الرسمية مع كوبا, أن تركيزه على الشعب الكوبي, أكثر من نظام كاسترو، وأن العولمة -مثل الإنترنت- قد منحت الأفراد سلطات واسعة, وهو ما يجعل الحكومات أقل أهمية لقوى التغيير. واستطردت الصحيفة " المفاجأة الكبرى, ليست في الإعلان عن العلاقات الرسمية الجديدة بعد أكثر من نصف قرن، ولكن أن كوباوأمريكا, استغرقتا وقتا طويلا جدا للحاق بركب التغيرات العالمية, التي جعلت علاقاتهما المجمدة, تبدو عتيقة جدا". وفي المقابل, انتقدت صحيفة "واشنطن تايمز" بشدة هذه الخطوة من جانب أوباما, ووصفتها بأنها تضيف إلى رصيده في قائمة "التصرفات الخائنة"، وقالت :"إنه يواصل تبنيه إجراءات تنفيذية منفردة للتغطية على العامين الأخيرين -من رئاسته- المليئين بالأخطاء, والأجندة الفارغة, والفشل, في مطاردة يائسة لإرث يتركه خلفه". كما وصفت افتتاحية "واشنطن بوست" في 19 ديسمبر, تحرك إدارة أوباما بأنه يقدم لنظام كاسترو خطة إنقاذ شاملة لا يستحقها، تتمثل في منحه كل ما يتمناه من عودة العلاقات الدبلوماسية كاملة, ومراجعة مكان كوبا في قائمة الدول الراعية للإرهاب, ورفع القيود عن الاستثمار الأمريكي والسفر إليها. وأضافت الصحيفة أن "هذا التحرك, سيمد هافانا بمصدر جديد من العملة الصعبة, التي هي في أشد الحاجة إليها، وإزالة الضغوط الأمريكية من أجل الإصلاحات السياسية هناك", مشيرة إلى أن "كوبا هي من فازت بالمواجهة مع أمريكا". كذلك, انتقدت مجلة "فورين بوليسي" هذه الخطوة من جانب إدارة أوباما لأن نظام كاسترو, لم يقابلها بأي تنازلات, ولا إعلان متبادل بالقدر نفسه من الأهمية، ولا اعتراف بمخاوف الولاياتالمتحدة بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان, التي فرقت البلدين طوال خمسين عاما. ومن زاوية أخرى, تساءلت "فورين بوليسي" ما إذا كان "الفصل الجديد" مع هافانا يعني أن طهران والتوصل لاتفاق نووي معها, سيكونان المحطة التالية في رحلة تراث الرئيس أوباما، وتأمل المجلة أن يحصل أوباما من الاتفاق الإيراني على أكثر, مما حصل عليه من آل كاسترو. وكان أوباما أنهى عقودا من العداء بين الولاياتالمتحدةوكوبا, عندما أعلن مساء الأربعاء الموافق 17 ديسمبر فتح "عهد جديد" لتطبيع العلاقات مع هافانا. وأضاف أوباما, في كلمة ألقاها بالبيت الأبيض, أنه سيعيد فتح سفارة بلاده في هافانا وسيطلب من الكونجرس رفع الحظر المفروض على كوبا منذ نصف قرن, مع إعادة النظر في تصنيفها كدولة راعية للإرهاب, في حين أعلن الرئيس الكوبي راؤول كاسترو أنه اتفق مع أوباما "على إعادة العلاقات الدبلوماسية" بين البلدين. وأوضح أوباما أن هناك تعاونا سيجري مع هافانا بشأن مكافحة "الإرهاب" والمخدرات، في حين حث الحكومة الكوبية على دعم حقوق الإنسان, ورفع القيود عن العمل السياسي وحرية التجارة. واعترف أوباما, في خطابه التاريخي من البيت الأبيض, بأن "عزل كوبا لم يعط نتيجة"، مضيفا "سننهي سياسة عفا عنها الزمن في العلاقة مع كوبا"، ومعلنا بالإسبانية "نحن كلنا أمريكيون". وفي المقابل، أكد الرئيس الكوبي راؤول كاسترو أنه تحدث هاتفيا مع نظيره أوباما في 16 ديسمبر, وخلال كلمة متلفزة, أضاف كاسترو, وهو شقيق الزعيم الكوبي فيدل كاسترو, الذي تحدى أمريكا لعقود, قبل تنحيه مؤخرا بسبب مرضه, "لقد تمكنا من إحراز تقدم نحو حل العديد من القضايا, التي تهم البلدين، هذا القرار من قبل الرئيس أوباما يستحق الاحترام والتقدير من شعبنا". وتابع "التقدم الذي تم في المباحثات يظهر أنه من الممكن إيجاد حل للعديد من المشكلات، نحن بحاجة إلى أن نتعلم أن نعيش معا بطريقة متحضرة, على الرغم من خلافاتنا", كما أشار كاسترو إلى أن انفراج الأزمة بين البلدين "لا يعني أن (المشكلة) الرئيسة, أي الحصار الاقتصادي, تمت تسويتها". وتأتي هذه التطورات, عقب إفراج كوبا عن موظف المساعدات الأمريكي آلان غروس, الذي اعتقل في ديسمبر 2009, وحُكم عليه بالسجن 15 عاما لتورطه في تهريب معدات إنترنت, قالت هافانا إنها تأتي في إطار عمليات تجسس. وقال مدير مكتب قناة "الجزيرة" في الولاياتالمتحدة عبد الرحيم فقراء إن الإفراج عن غروس, تم وفق صفقة تتضمن إطلاق سراح ثلاثة كوبيين سبقت إدانتهم عام 2001 بالتخابر لصالح كوبا، وقد أكد كاسترو أن الكوبيين الثلاثة عادوا إلى بلادهم فعلا، في حين ذكرت تقارير تليفزيونية أمريكية أن غروس وصل أيضا إلى قاعدة أندروز الجوية قرب واشنطن. وتشير تقارير إلى أن الإفراج عن غروس, تم بجهود دبلوماسية من قبل الفاتيكان، حيث أعرب كاسترو عن شكره للبابا فرانشيسكو, ولكندا إزاء دورهما المهم في العملية. وقد سبق للناشط الحقوقي الأمريكي القس جيسي جاكسون أن توجه إلى كوبا في سبتمبر 2013 , بحثا عن فرص لتحسين العلاقات بين واشنطن وهافانا, والإفراج عن غروس. وفيما يتعلق بالعقبات, التي تعترض طريق إصلاح العلاقات بين البلدين، قال مدير مكتب "الجزيرة" في واشنطن إن هناك معارضة قوية ضد إعادة العلاقات مع كوبا من قبل اللوبي الكوبي في أمريكا المحسوب على اليمين, والذي يعارض الحكومة الكوبية القائمة, منذ وصول الزعيم الكوبي فيدل كاسترو للسلطة عام 1959 . وأضاف فقراء أن هناك أيضا قطاعات واسعة في الكونجرس تعارض التقارب مع هافانا، مشيرا إلى أن البيت الأبيض يؤكد أن أوباما لديه صلاحيات واسعة في التقارب والتطبيع, بصرف النظر عن معارضة اللوبي الكوبي وبعض أعضاء الكونجرس. وكان الرئيس الحالي للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي روبرت مينينديز, وهو سيناتور ديمقراطي, ندد بما يقوم به أوباما تجاه كوبا، قائلا :"إنه يبرر السلوك الوحشي للحكومة الكوبية"، وأضاف أن مبادلة غروس, "بمجرمين مدانين" من كوبا, "يرسي سابقة خطيرة للغاية", ويشجع هافانا على التعامل بشراسة أكبر مع المعارضة الكوبية. كما توعد نواب جمهوريون -مؤيدون لإبقاء عزلة كوبا- بالتصدي في الكونجرس لرفع الحظر المفروض على كوبا. ووصف السيناتور الجمهوري ماركو روبيو عن فلوريدا -حيث يعيش عدد كبير من الأميركيين الكوبيين المعارضين لنظام كاسترو- مبادرة أوباما, بأنها "ساذجة". وقال ماركو روبيو للصحفيين "البيت الأبيض قدم كل شيء وحصل على القليل". وسيرأس ماركو روبيو ابتداء من يناير المقبل لجنة الشئون الخارجية, التي ستكلف بالموافقة على تعيين السفير الأمريكي المقبل في كوبا، وألمح إلى أن المصادقة على التعيين, سيكون أمرا حساسا. وتابع روبيو " الكونجرس الحالي لن يرفع الحظر", ردا على دعوة أوباما لإنهاء الحظر المفروض على كوبا, منذ 1962. وقال :"سأستخدم كل الوسائل المتاحة للتصدي لهذا الأمر". كما أعرب رئيس مجلس النواب الأمريكي جون بونر "جمهوري", عن أسفه لما وصفه بأنه "سلسلة طويلة من التنازلات المتهورة لديكتاتورية تتعامل بوحشية مع شعبها وتتآمر مع أعداء الولاياتالمتحدة", وأضاف "هذا التطبيع سيشجع كل البلدان المؤيدة للإرهاب".