زيارات خارجية تخوضها رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، في الأونة الآخيرة، تستهدف التعويض عن خروجها من الاتحاد الأوروبي، فبعد زيارة دول الخليج لمحاولة استمالتهم اقتصاديًا عن طريق استراضائهم بتصريحات ضد إيران، توجهت ماي إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية للقاء ترامب، فيما كانت الزيارة الأخيرة لها السبت الماضي، إلى أنقرة لتعزيز العلاقات الثنائية، خطوة جديدة من خطوات استفزاز أوروبا التي تشهد علاقتها مع تركيا توترات كبيرة على خلفية انتهاكات حقوق الإنسان بعد محاولة الانقلاب الفاشلة. وتغاضت ماي في زيارتها عن كل المأخذ الأوروبية التي تدعو إلى النظر لسجل حقوق الإنسان في تركيا، والتقت بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ لبحث الشراكة الدولية وتعزيز التعاون الاقتصادي والأمني والسياسي، فيما رأى مراقبون أنها محاولة بريطانية للبحث عن بدائل تعوض خسائرها من البريكست. وتضمنت الاتفاقيات بين أنقرةوبريطانيا العديد من المجالات، حيث تم تشكيل مجموعة عمل لتحفيز العلاقة التجارية بين البلدين بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وقالت ماي في ختام لقائها مع أردوغان «اتفقنا على تشكيل مجموعة عمل مشتركة لتمهيد الطريق لمبادلاتنا التجارية ما بعد البريكست»، كما وقّعت بريطانياوتركيا اتفاقية دفاعية تزيد قيمتها عن 100 مليون جنيه إسترليني (125 مليون دولار) لتطوير طائرات تركية مقاتلة، ما يفتح الطريق أمام زيادة التعاون خلال فترة المشروع. ويسعي الجانبان، بحسب تصريحات رجب طيب أردوغان، إلى زيادة حجم التجارة السنوية من نحو 15 مليار دولار إلى 20 مليار دولار، وقالت ماي إنها ناقشت خلال المحادثات احتمالات تعزيز التجارة، وأكدت أن البلدين يرغبان في البناء على العلاقات الحالية، ما يصب في صالح البلدين ويساهم في ازدهارهما، وفقا لتعبيرها. وأكد رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، أن الوزراء المعنيين سيواصلون العمل من أجل توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين تركياوبريطانيا عقب خروج الأخيرة من الاتحاد الأوروبي، مشيراً إلى أن التعاون التركي البريطاني بعد بريكست، لن يؤثر على التعاون التركي مع الاتحاد الأوروبي، ولن يكون عائقا أمام تحديث الاتفاق الجمركي مع الاتحاد. وقال سياسيون بريطانيون إن ماي تبحث بأي شكل عن مخرج من ورطة العلاقة مع أوروبا بعد الخروج من الاتحاد، فبداية من ذهابها إلى الخليج وأطلقت تصريحات لاسترضاء دول مجلس التعاون بخصوص إيران، ثم انتقالها إلى واشنطن للقاء الرئيس دونالد ترامب، برغم قلق أوروبا من عهده الجديدة، وصولًا إلى التحركات الأخيرة تجاه تركيا، وكتبت النائبة الليبرالية الديمقراطية، سارة أولني، في صحيفة «ذي جارديان» أن «حكومة بريكسيت المحافظة مستعدة لأي شيء من أجل توقيع اتفاقات تجارية مع دول غير الأنظمة الديمقراطية في الاتحاد الأوروبي إلى درجة أنها ستحاول استمالة حتى أسوأ القادة»، في إشارة إلى ترامب وأردوغان ودول الخليج. ودعت منظمة "بي إي إن" الدولية، التي تضم كتابا يدافعون عن حرية التعبير، ماي إلى إثارة "الانتهاكات الخطيرة" التي ترتكب، في رأي المنظمة، في ظل حالة الطوارئ المعلنة في تركيا منذ الانقلاب الفاشل، لكن ماي أثارت المسألة فقط استباقا لموجة النقد التي ستتلو الزيارة، بعد قولها «إن من المهم أن تراعي تركيا حقوق الإنسان وحكم القانون بعد محاولة الانقلاب الفاشلة»، مضيفة أنها "فخورة" بوقوف بريطانيا بجانب تركيا دفاعا عن الديمقراطية خلال أحداث المحاولة الانقلابية. وتم فصل أو توقيف أكثر من 100 ألف شخص عن العمل بعد الانقلاب الفاشل في تركيا، وبلغ عدد المسجونين قيد التحقيقات نحو 40 ألفا، الأمر الذي أثار قلق الجماعات الحقوقية وبعض حلفاء تركيا في الغرب، لكن مراقبين أشاروا إلى أن زيارة ماي لتركيا ستوسع دائرة الخلاف مع دول أوروبية أخرى مثل ألمانيا وفرنسا، بعدما وضعوا شروطا أمام أنقرة للحصول على الامتيازات التي تطالب بها من بوابة اتفاق الهجرة. وعلى الجانب الآخر، فإن تركيا استفادت من هذه الزيارة؛ فمن ناحية، طلبت أنقرة فرص عمل وسفر للأتراك بلا تأشيرات، بالإضافة إلى وجود رغبة لتعزيز العلاقات الثنائية مع بريطانيا على خلفية كسر عزلتها غربا، خاصة بعد تراجع قفزتها الاقتصادية والعودة إلى الانكماش، حيث خفضت وكالة التصنيف الائتماني العالمية «فيتش»، التصنيف الائتماني لتركيا إلى الفئة «غير الاستثمارية»، وعزت ذلك إلى أن "الأحداث السياسية والأمنية أضعفت الأداء الاقتصادي، كما أن حملة التطهير الضخمة التي امتدت لتطال وسائل الإعلام ومجموعات أخرى انعكست على الاقتصاد".