في ظل التغيرات الجيوسياسية والاستراتيجية المتسارعة في علاقات معظم دول العالم ببعضها، يبدو أن ملف الأزمة بين إيران ودول الخليج وعلى رأسها السعودية سيعود إلى صدارة الأحداث من جديد. هل من وساطة كويتية؟ أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية، بهرام قاسمي، أن النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الكويتي، صباح الخالد الحمد الصباح، سيقوم بزيارة لطهران الأسبوع الجاري، وأضاف "قاسمي" أمس الاثنين أن الزيارة تأتي للمشاركة في اجتماع اللجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين، وأشار المتحدث باسم الخارجية أن "الصباح" سيزور طهران وفقًا للاتفاق الذي جرى بين البلدين، وشدد على أن الحكومة الكويتية نسقت مع إيران بشأن هذه الزيارة منذ أشهر. على الرغم من رفض المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية التأكيد على إمكانية أن يحمل وزير الخارجية الكويتي رسالة من دول مجلس التعاون الخليجي إلى طهران، واكتفائه بالقول: "علينا أن نتحلى بالصبر إلى حين إجراء الزيارة، كي نتعرف على القضايا التي ستطرح فيها، لكن وبكل تأكيد القضايا الثنائية والإقليمية والدولية ستكون من أهم محاور المباحثات بين الجانبين، أما فيما يخص وجود رسالة خاصة من مكان خاص، فلست في وضع يسمح لي بإطلاق الأحكام، والإعلان عن ذلك، لذا عليَّ أن أنتظر إلى حين إتمام الزيارة"، إلا أن العديد من المراقبين والمتابعين للأزمة الإيرانية الخليجية رأوا في هذه الزيارة بداية جديدة للحوار بين إيران ودول الخليج. أضف إلى ذلك أن نائب وزير الخارجية الكويتي، خالد سليمان الجار الله، كشف في وقت سابق أن رسالة من دول مجلس التعاون الخليجي ستحملها دولة الكويت إلى الجانب الإيراني للحوار، وأكد "الجار الله" أن الرسالة الخليجية التي كُلفت الكويت بإيصالها إلى طهران خلال قمة المنامة لم تصل إلى إيران بعد، إلا أن الاتصالات مستمرة لتحديد موعد سيتم بعده تسليمها، وأوضح أن الرسالة تتعلق بحوار خليجي إيراني محدد بشروط وأسس، تتركز على حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام سيادة الدول، "وهي أسس دولية نتفق عليها مع الإيرانيين، ونحن نسعى من هذا المنطلق إلى الاتصال بالإيرانيين بناءً على هذا الأساس". العلاقات الإيرانيةالكويتية.. تاريخ من المصالح والحذر العلاقات الإيرانيةالكويتية على الرغم من اضطرابها في العديد من المراحل، إلا أنها تتسم في مجملها بالودية، حيث ترتبط الدولتان بمصالح تجارية واقتصادية وسياسية، مع الأخذ في الاعتبار بالحيطة والحذر ومراعاة حسن الجوار، حيث تستضيف إيران حوالي 200 ألف زائر كويتي لأراضيها سنويًّا، ويبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 150 مليون دولار. في الوقت نفسه تتخوف الكويت على غرار جيرانها في دول الخليج من نفوذ طهران المتصاعد، وهو ما ظهر في يوليو الماضي عندما حذر أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، إيران من التدخل في الشؤون الداخلية للدولة، وحثها على مراعاة حسن الجوار. نالت الكويت استقلالها في عام 1961، واعترفت إيران بهذا الاستقلال في السنة ذاتها، وفتحت سفارتها في مدينة الكويت في يناير عام 1962، وفي عام 1973 قالت إيران بأنها ستقف مع الكويت ضد تهديدات العراق، وعبرت عن استعدادها لإرسال قوات عسكرية للكويت، وبعد الثورة الإيرانية عام 1979 اعترفت الكويت بالنظام الجديد، وزار وزير الخارجية الكويتي آنذاك إيران بعد الثورة. بدأت التوترات في العلاقات الإيرانية-الكويتية عند اندلاع الحرب الإيرانيةالعراقية في سبتمبر عام 1980، حيث وقفت الكويت موقفًا محايدًا، وطلبت من كلتا الدولتين إنهاء الحرب، وهو ما أثار غضب إيران التي كانت تنتظر موقفًا أكثر اصطفافًا إلى جانبها، وبعد ميل الحرب لصالح إيران، اختارت الكويت دعم العراق بشكل كبير، حيث فتحت منافذها لبغداد، وأعطتها قروضًا بلا فائدة بقيمة 4 مليارات دولار أمريكي، واستمرت العلاقات في أدنى مستوياتها حتى احتلال العراق للكويت في أغسطس عام 1991، حيث رفضت إيران الاحتلال، وأكَدت أنها لن تسمح للعراق باحتلال الكويت حتى إذا فشلت الدول العربية في التعامل مع الموضوع بشكل حاسم. تطورت العلاقات السياسية، وشهدت العديد من الزيارات الدبلوماسية بين الطرفين بعد وصول الرئيس الإيراني، محمد خاتمي، للسلطة عام 1997، حيث زار وزير الخارجية الإيرانيالكويت بهدف تعزيز علاقات إيران مع دول مجلس التعاون الخليجي، وفي عام 2002 زار وزير الدفاع الإيرانيالكويت، وفي نفس العام زار المتحدث باسم مجلس الأمة الكويتيإيران، وفي عام 2003 زار وزير الخارجية الكويتيإيران، ووقع ثلاث اتفاقيات تجارية مع طهران، وفي يوليو عام 2015، وبعد التوصل إلى الاتفاق النووي الإيراني، هنَأ أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، والرئيس حسن روحاني بالاتفاق. هل تنجح محاولات الكويت؟ على الرغم من أن العلاقات الإيرانيةالكويتية شهدت حالات صعود وهبوط على مدار السنوات الماضية، إلا أن العديد من المراقبين يتوقعون أن تنجح محاولات الكويت في تقريب وجهات النظر الإيرانية الخليجية، أو على الأقل فتح باب الحوار بينهما من جديد، مستندين في هذا الاحتمال على أن الكويت سبق أن توسطت في الأزمة اليمنية بين جماعة أنصار الله المدعومة من إيران وحكومة الرئيس المستقيل، عبد ربه منصور هادي، المدعومة من الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية وقطر والبحرين، وذلك في إبريل الماضي، الأمر الذي يعني أن الكويت وسيط خليجي مقبول لدى إيران، ما يمكنها من أن تكون همزة وصل بين الطرفين الإيراني والخليجي. الأهم من ذلك أن السعودية باتت لا تملك ما تتعنت من أجله، فقد خسرت حربها في اليمن والسعودية، أضف إلى ذلك توتر العديد من علاقاتها الاستراتيجية الهامة مع بعض الدول العربية والإسلامية وعلى رأسها مصر والعراق وتركيا، ناهيك عن تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، الذي أظهر في العديد من المناسبات معاداته لسياسات السعودية واتهامها مرارًا بدعم الإرهاب والتطرف، بالإضافة إلى صعود الرئيس اللبناني، ميشال عون، إلى قيادة الحكم هناك، وهو المُقرب من "محور الممانعة" السوري الإيراني، والحليف القوي لحزب الله العدو اللدود للمملكة السعودية، كل ما سبق يجعلها تميل إلى فتح قنوات اتصال مع إيران؛ في محاولة منها لتقليص الجبهات المفتوحة ضدها.