شهدت ساحل العاج اضطرابات أمنية خلال اليومين الماضيين على خلفية وقوع تمرد عسكري داخل الجيش العاجي، احتجاجًا على الرواتب التي وصفوها بالضعيفة، وسيطر المتمردون على مدينة "بواكي"، ثاني أكبر المدن العاجية، ووصلوا إلى مدينتي كورهوغو ودالوا، حيث اندلعت اشتباكات في عدد من المعسكرات، ما استدعى إرسال السلطات تعزيزات أمنية. ويعد هذا التمرد أول تحرك عسكري مناهض للسلطات داخل ساحل العاج، بعد الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد في العقد الماضي، والتي جاءت في أعقاب انقلاب عسكري في تسعينات القرن الماضي، حيث تعرف ساحل العاج منذ ذلك الوقت باستقرارها النسبي عن باقي الدول الإفريقية المحيطة، لاسيما وأنها تشهد اقتصادًا واعدًا بحسب التقارير الاقتصادية العالمية. ويأتي تحرك الجنود الغاضبين على خلفية ضعف المرتبات في الخدمة العسكرية، بحسب ما أعلن الجنود في بداية تمردهم، لكن سرعان ما أصدر الرئيس العاجي بعض القرارات للحد من تفاقم التمرد لعدم وصوله إلى باقي المدن والمحافظات، وأعلن الرئيس حسن وتارا، الوصول لاتفاق لوقف إطلاق النار مع المتمردين، الذين أبدوا في بداية الأمر رفضهم لبنود الاتفاق واستشاطوا غضبًا واحتجزوا وزير الدفاع. وأعلن واتارا، في تصريح قصير نقله التليفزيون، الوصول إلى «اتفاق» مع الجنود المتمردين الذين شلت تظاهراتهم المطلبية مدينة بواكي وامتدت إلى أبيدجان، وقال واتارا «أؤكد موافقتي على أخذ المطالب المتعلقة بالعلاوات وتحسين ظروف معيشة الجنود في الاعتبار». وأضاف «بعد تسجيل موافقتي، أطلب من الجنود الالتحاق بثكناتهم للتمكن من تنفيذ هذه القرارات في هدوء»، من دون ذكر تفصيل بنود الاتفاق، لكن أحد الجنود المتمردين قال في بواكي، بحسب وكالة رويترز: «يجب أن يقول لنا الرئيس في أي تاريخ سيتم الدفع لنا وما هو المبلغ الذي سنحصل عليه»، في إشارة إلى رفضهم إطلاق سراح وزير الدفاع ريشار دونواهي، إلا بعد الكشف عن التفاصيل، لكن سرعان ما أفرج المتمردون عن الوزير والوفد المرافق له، وأبدوا ليونة لوقف إطلاق النار. وأعلن مسؤول محلي وصول وزير الدفاع دونواهي إلى اتفاق مع الجنود المتمردين لإنهاء التمرد، وقال ياندي لورغن، المسؤول التنفيذي في مدينة بواكي، حيث جرت المحادثات: «توصلنا إلى اتفاق ينهي التمرد»، وأكّد السارجنت مامادو كوني، أحد أفراد التمرد والقريب من المفاوضات، الاتفاق قائلاً «انتهى الأمر.. سيظل بعض جنودنا في أماكنهم لتدبير أمن المتاجر والبنوك لكن غالبية الجنود سيعودون إلى الثكنات بدءا من الليلة». ساحل العاج، التي كانت تعرف في السابق ب«كوت ديفوار» تعد من الدول الاستراتيجية الواقعة في منطقة غرب إفريقيا، ويحدها من الشرق غانا، ومن الغرب غينيا وليبيريا، ومن الشمال مالي وبوركينافاسو وتشرف من الجنوب على خليج غينيا والمحيط الأطلسي. كما تحتفط ساحل العاج بعلاقات سياسية واقتصادية بالتعاون مع جيرانها في غرب إفريقيا، في نفس الوقت تحتفظ بعلاقات وثيقة مع الدولة الغربية، وخاصة فرنسا، وعلى الرغم من تحولها إلى أحد الاقتصاديات الواعدة في غرب إفريقيا، بعد الأزمة السياسية التي امتدت من العام 2002 إلى العام 2011، لكن أعوام النزاع والفشل في إصلاح الجيش الذي يضم مزيجا من مقاتلين متمردين سابقين وجنود حكوميين، أسفرت عن قوة يصعب السيطرة عليها تمزقها انشقاقات داخلية، لاسيما في ظل عدد من المحاولات الانقلابية التي لم تنجح سوى في انقلاب وحيد وهو عام 1999. ففى ديسمبر عام 1999، شهدت أبيدجان انقلابا على الرئيس كونان بيديه، لم يضع حدًا للتوترات السياسية التي شهدتها البلاد من جراء تصاعد مشاعر الغضب الشعبي ضد الرئيس بسبب انتشار الفساد والمحسوبية وعدم العدالة في توزيع موارد البلاد، واستمرت هذه المرحلة وازدادت حدة عدم الاستقرار مع وصول الرئيس لوران باجبو لسدة الحكم عام 2000. وفي سبتمبر 2002، شهدت العاصمة أبيدجان محاولة انقلابية أخرى ولكنها باءت بالفشل، حيث تمرد بعض الجنود في الجيش بسبب تسريحهم من الخدمة مطالبين بإعادتهم إلى الجيش، لكن القوات الأمنية في ذلك الوقت أمنت كل النقاط الاستراتيجية، وراح ضحية هذا التمرد وزير الداخلية إميل بوجا دود، والجنرال روبرت جي، واستمر عدم الاستقرار حتى اندلاع الحرب الأهلية عام 2002، والتي قسمت البلاد إلى شطرين، أحدهما في الشمال تحت سيطرة المتمردين "القوات الجديدة"، والأخرى في الجنوب تحت سيطرة الرئيس باجبو، وهو الوضع الذي مازال مستمرا، بالرغم من توقيع اتفاقية سلام واجادوجو في مارس 2007 بين الطرفين.